تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[بحث فيما بين العروض واللغة]

ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[10 - 07 - 05, 05:17 ص]ـ

هذا البحث .. لشيخنا وقدوتنا النحوي العروضي الشاعر الدكتور أبو براء محمد جمال صقر، حلية العلم، وزينة المجالس، عاشق لغة الضَّاد وآدابها، العالم الضَّليع، المُجَدِّدُ المُبْتَكِرُ، تلميذ العلامة الإمام محمود محمد شاكر، رحمه الله تعالى! حفظ الله تعالى شيخنا ونفعنا بعلمه وأدبه!

بحث فيما بين العروض واللغة (1)

شِعْرُ أَبي سُرورٍ الْجامِعيِّ بَيْنَ الْمُعارَضَةِ وَالتَّخْميسِ

اكتساب الشعر

{1} الشعر نمط من اللغة فنيّ؛ فكما نولد جميعًا مفطورين على اكتساب اللغة، يولد بعضنا مفطورين على اكتساب فن اللغة وكما نحتاج جميعًا إلى من نكتسب منهم لغتهم لتصير لغتنا، يحتاج بعضنا إلى من يكتسبون منهم فنهم اللغوي ليصير فنهم.

إن كل من حولنا قرباء وغرباء، كبارا وصغارا، ذكورا وإناثا، يعلموننا اللغة، ما لم يَصُدّوا عنا أو نَصُدَّ عنهم. وليس كل من حول بعضنا يعلمونهم فنّ اللغة، ولو شدَّ بعضُهم يدَه بغَرْز بعض. إنما يعلِّمُهُمُوهُ طائفةٌ عزيزة انمازت من سائر الناس فسميت "الشعراء"، كما انماز كلامهم من سائر الكلام فسمي "الشعر" (1).

{2} ولأمر ما كانت أُسرالشعراء منذ أوّلية الشعر العربي؛ فمُهَلْهِلٌ خال امرئ القيس وجَدُّ عمرو بن كلثوم لأمه، وأكبر المرقِّشَيْن عم الأصغر، والأصغر عم طرفة؛ يتعلم الولد من أبيه أو من هو بمنزلته، كما تعلم هذا من أبيه أو من هو بمنزلته، سُنّةً مستمرة (2).

{3} ولا يجوز الاعتراض بأنها سنة في الاكتساب سيّئة، غير صالحة للفن، لأنها تُخرج صورًا منسوخة عن أصلها، ليس فيها غير موات التقليد، والفن رهين الإبداع الذي هو رهين الانقطاع من الماضي وهدم المألوف (3)؛ ففضلاً عن أن التقليد نفسه هو المرحلة الفنية الحتمية الأولى (4)، لا يكون حَديث إلا بعد قديم، ولا يعرف حديث إلا بقديم، بل قد صار معروفًا تفضيل اشتمال الفن الحديث على طرف من الفن القديم يتألّف المتلقين ويعطفهم (5)، "ولو نحن، في تنقيبنا عن آخر ملجأ لنا، التقينا بجدنا الأول، فإنا بلاشك سنرى حفرتي عينيه متوجهتين خلفًا نحو السمكة الزاحفة السعيدة التي كانت تعيش في حياة انسجام وانضباط في الوحول اللزجة التي عمرت يومًا المستنقعات المتبخرة " (6)!

بين المعارضة والسرقة

{4} وليس الأمر مقصورًا على تقليد البداءة؛ فإنّ وحدةَ الثقافة التي هي قوام الأمة، تُسَرِّب إلى أصحابها إطار فن اللغة، كما تسرِّب إليهم إطار اللغة؛ فكما يتعارفون بينهم على ما يتفاهمون به، يتعارفون على ما يهتزّون له (7)، وما أكثر ما حفز الشاعر إلى الشعر قصيدة تعلّمها - على توسيع مفهوم التعلم ليشمل طرائق التلقي المختلفة كلها - فإما خضع لها رسالةً (مضمونًا)، ووسائل (أدوات تعبير)، أو رسالة فقط، أو وسائل فقط، وإما أبى. فأما إذا ما أبى فإنه يفتش عن وسائل أخرى ملائمة يؤدي بها رسالة أخرى ممّا يشغله وعندئذ يخفى عن المتلقي عنه فضل تلك القصيدة عليه، غير أن الشاعر يظل في نفسه أسير ذلك الفضل. وأما إذا خضع لرسالتها فقط،أو لوسائلها فقط فإنه يعد سارقًا، وهي دركات بعضها أخفى من بعض، يسترها فقهاء السارقين، ويفضحها فقهاء المتلقِّين (8). وأما إذا خضع لرسالتها ولوسائلها جميعًا، فإنه يعد معارضًا أي مجاريًا مباريا (9).

{5} إن السرقة ضعف يجتهد صاحبه أن يخفيه، "والحاذق يخفي دبيبه إلى المعنى، يأخذه في سُتْرة فَيَحْكُمُ له بالسبق إليه أكثر من يمُرُّ به" (10)، وإن المعارضة قوة "أما المتقدمون فكانت لهم المعارضة ونحوها مما لا يضطلع به إلا قويٌ جريء " (11)؛ فهو لا يخشى أن يبديها؛ هذا البارودي ينظم داليته التي مطلعها:

" رضيتُ من الدنيا بما لا أودُّهُ وأيُّ امرئ يقوى على الدهر زندهُ " (12)،

ثم يقول في خلالها:

" وما أُبْتُ بالحرمان إلا لأنني (أودُّ من الأيام ما لا توده) " (13)،

مضمِّنًا صدر مطلع دالية المتنبي:

" أَوَدُّ من الأيام ما لا توده وأشكو إليها بيننا وهي جنده " (14)،

دالاًّ على معارضته، وهو إمام نهضة الأدب المصري الحديث، الذي لا يساميه فى الخمسمائة سنة التي قبله فيه أحد (15).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير