تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الكبار أنفسهم يدركونه ويعملون به، فيحقق لهم ما يبتغون

على أن لتلك الشواهد خطرًا آخر؛ هى أنها - فى كثير من اتجاهاتها - قد تمثل لهجات عربية متعارضة، وتقوم دليلا على لغات قديمة متباينة، وتساق لتأييد آراء متناقضة؛ فهى معوان على البلبلة اللغوية، ووسيلة للحيرة والشك فى ضبط قواعدها، وباب للفوضى فى التعبير. وتلك أمور يشكو منها أنصار اللغة، والمخلصون لها.

وعلى الرغم من هذا قد نسجل - أحيانًا مع الحيطة والحذر - بعض الشواهد الغريبة، أو الشاذة، وبعض الآراء الضعيفة، لا لمحاكاتها، ولا للأخذ بها - ولكن ليتنبه لها المتخصصون، فيستطيعوا فهم النصوص القديمة الواردة بها حين تصادفهم، ولا تصيبهم أمامها حيرة، أو توقف فى فهمها.

4 - الفرار من العلل الزائفة، وتعدد الآراء الضارة فى المسألة الواحدة، فلهما من سوء الأثر وقبيح المغبة ما لا يخفى. وحسبنا من التعليل: أن يقال: المطابقة للكلام العربى الناصع، ومن الآراء أن يقال: مُسَايرة فصيح اللغة وأفصحها. والقرآنُ الكريم - بقراءاته الثابتة الواردة عن الثقات - فى مكان الصدارة من هذا؛ لا نقبل فى أسلوبه تأولا ولا تمحلا، ثم الكلام العربى الذائع. والأفصح والفصيح هما الباعثان لنا على أن نردف بعض الأحكام النحوية بأن الخير فى اتباع رَأى دون آخر، وأن الأفضل إيثاره على سواه ... أو غير هذا من العبارات الدالة على الترجيح. وإنما كان الخير وتمام الفضل فى إيثاره؛ لأن يجمع الناطقين بلغة العرب على أنصع الأساليب وأسماها، ويوجد بيانهم، ويريحهم من خُلف المذاهب، وبلبلة اللهجات، فى وقت نتلقى فيه اللغة تعلمًا وكسبا، لا فطرة ومحاكاة أصيلة، ونقتطع لها من حياتنا التعليمية المزدحمة المرهقة - الأيَّام القليلة، والساعات المحدودة؛ فمن الحكمة والسداد أن نقصر تلك الأيام والساعات على ما هو أحسن وأسمى. ولن نلجأ إلى تعليل آخر، أو ترديد خلاف فى الآراء إلا حيث يكون من وراء ذلك نفع محقق، وفائدة وثيقة، وتوسعة محمودة، دون تعصب لبصرىّ أو لكوفىّ، أو بغدادى، أو أندلسى ... أو غير هؤلاء ... ودون فتح باب الفوضى فى التعبير، أو الاضطراب فى الفهم، أو البلبلة فى الأداء والاستنباط.

ومن مظاهر النفع الاستعانة "بالتعليل"، وبتعدد المذاهب فى تيسير مفيد، أو فى تشريع لغوىّ مأمون، أو تبصير المتخصصين - وحدهم- ببعض اللغات واللهجات التى تعينهم على فهم النصوص القديمة الواردة بها، لا لمحاكاتها - فأكثرها لا يوائمنا اليوم كما سبق - ولكن ليدركوها، ويفسروا بعض الضواهر اللغوية الغامضة، ولا يقفوا أمام تفسيرها حائرين مضطربين. وقد بسطنا القول فى هذا كله، وفى أسبابه، ونتائجه - فى المقدمة التى أشرنا إليها.

5 - تدوين أسماء المراجع أحيانًا فى بعض مسائل قد تتطلب الرجوع إليها؛ استجلاءً لحقيقة، أو إزالة لوهم. وفى ذلك التدوين نفع آخر؛ هو: تعريف الطلاب بتلك المراجع، وترديد أسمائها عليهم، وتوجيههم إلى الانتفاع بها، والإيحاء بأن الرجوع إلى مثلها قد يقتضيه تحصيل العلم، وتحقيق مسائله.

6 - عدم التزام طريقة تربوية معينة فى التأليف، فقد تكون الطريقة استنباطية، وقد تكون إلقائية، وقد تكون حوِارًا، أو غير ذلك مما يقتضيه صادق الخبرة، وملاءمة الموضوع. وإذا عرفنا أن الكتاب لكبار الطلاب، وللأساتذة المتخصصين، وأن موضوعاته كثيرة متباينة - أدركنا الحكمة فى اختلاف الطرائق باختلاف تلك الموضوعات وقرّائها. على أن تكون الطريقة محكومة بحسن الاختيار، وصدق التقدير، وضمان النجح من أيسر السبل وأقربها. ومهما اختلفت فلن تكون من طرائق القدماء التى أساسها: المتن، فالشرح، فالحاشية، فالتقرير ... فما يصاحب هذا من جدل، ونقاش، وكثرة خلاف، وتباين تعليل ... وما إلى ذلك مما دعت إليه حاجات عصور خلت، ودواعى حقب انقضت، ولم يبق من تلك الحاجات والدواعى ما يغرينا بالتمسك به، أو بتجديد عهده.

على أن بحوثهم وطرائقهم تنطوى - والحق يقال - على ذخائر غالية، وتضم فى ثناياها كنوزاً نفيسة. إلا أن استخلاص تلك الذخائر والكنوز مما يغَشيها اليوم عسير أى عسير على جمهرة الراغبين - كما أسلفنا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير