تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك إذا قيل: الإرادةوالرحمة والمحبة تنقسم إلى إرادة اللّه ومحبته ورحمته،

وإردة العبد ومحبته ورحمته.

فمن ظن أن [الحقيقة] إنما تتناول صفة العبد المخلوقة المحدثةدون صفة الخالق، كان في غاية الجهل؛

فإن صفة اللّه أكمل وأتم وأحق بهذه الأسماءالحسنى،

فلا نسبة بين صفة العبد وصفة الرب،

كما لا نسبة بين ذاته وذاته،

فكيف يكونالعبد مستحقًا للأسماء الحسنى حقيقة، فيستحق أن يقال له: عالم قادر سميع بصير، والرب لا يستحق ذلك إلا مجازًا؟!

ومعلوم أن كل كمال حصل للمخلوق فهو من الرب ـسبحانه وتعالى ـ وله المثل الأعلى،

فكل كمال حصل للمخلوق فالخالق أحق به، وكل نقصتنزه عنه المخلوق فالخالق أحق أن ينزه عنه؛

ولهذا كان للّه [المثل الأعلى]،فإنه لا يقاس بخلقه ولا يمثل بهم، ولا تضرب له الأمثال. فلا يشترك هو والمخلوق فيقياس تمثيل بمثل؛ ولا في قياس شمول تستوي أفراده، بل {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم: 27].

ومن الناس من يسمى هذه الأسماء [المشككة]؛ لكون المعنى في أحدالمحلين أكمل منه في الآخر، فإن الوجود بالواجب أحق منه بالممكن،

والبياض بالثلجأحق منه بالعاج

وأسماؤه وصفاته من هذا الباب

فإن اللّه ـ تعالى ـ يوصف بها على/ وجه لا يماثل أحدًا من المخلوقين وإن كان بين كل قسمين قدرٌ مشترك،

وذلك القدرالمشترك هو مسمى اللفظ عند الإطلاق، فإذا قيد بأحد المحلين تقيد به.

فإذا قيل: وجود وماهية وذات، كان هذا الاسم متناولًا للخالقوالمخلوق،

وإن كان الخالق أحق به من المخلوق، وهو حقيقة فيهما.

فإذا قيل: وجوداللّه وماهيته وذاته اختص هذا باللّه، ولم يبق للمخلوق دخول في هذا المسمى، وكانحقيقة للّه وحده.

وكذلك إذا قيل: وجود المخلوق وذاته اختص ذلك بالمخلوق وكانحقيقة للمخلوق.

فإذا قيل: وجود العبد وماهيته وحقيقته لم يدخل الخالق في هذاالمسمى، وكان حقيقة للمخلوق وحده.

والجاهل يظن أن اسم الحقيقة إنما يتناول المخلوق وحده، وهذا ضلالمعلوم الفساد بالضرورة في [العقول] و [الشرائع] و [اللغات]،

فإنه منالمعلوم بالضرورة أن بين كل موجودين قدرًا مشتركًا وقدرًا مميزًا، والدال على ما بهاالاشتراك وحده لا يستلزم ما به الامتياز،

ومعلوم بالضرورة من دين المسلمين أن اللّه مستحق للأسماء الحسنى، وقد سمى بعض عباده ببعض تلك الأسماء، كما سمى العبد سميعًابصيرًا، وحيًا وعليمًا، وحكيمًا، ورءوفا رحيمًا، وملكًا، وعزيزًا، ومؤمنًا،وكريمًا، وغير ذلك.

مع العلم بأن الاتفاق في الاسم لا يوجب مماثلة الخالقبالمخلوق، وإنما يوجب الدلالة على أن بين المسميين قدرًا مشتركًا فقط، مع أن المميزالفارق أعظم من المشترك الجامع.

/وأما [اللغات] فإن جميع أهل اللغات ـ من العرب والروم، والفرس، والترك، والبربر، وغيرهم ـ يقع مثل هذا في لغاتهم، وهو حقيقة في لغات جميع الأمم، بل يعلمون أن اللّه أحق بأن يكون قادرًا فاعلًا من العبد، وأن استحقاق اسم الربالقادر له حقيقة أعظم من استحقاق العبد لذلك، وكذلك غيره من الأسماء الحسنى.

وقول الناس: إن بين المسميين قدرًا مشتركًا، لا يريدون بأن يكونفي الخارج عن الأذهان أمر مشترك بين الخالق والمخلوق؛ فإنه ليس بين مخلوق ومخلوق في الخارج شيء مشترك بينهما، فكيف بين الخالق والمخلوق،

وإنما توهم هذا من توهمه من أهل [المنطق اليوناني] ومن اتبعهم، حتى ظنوا أن في الخارج ماهيات مطلقة مشتركةبين الأعيان المحسوسة، ثم منهم من يجردها عن الأعيان كأفلاطون، ومنهم من يقول: لاتنفك عن الأعيان كأرسطو، وابن سينا، وأشباههما.

وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وبينا ما دخل على مناتبعهم من الضلال في هذا الموضع في [المنطق والإلهيات]،

حتى إن طوائف من النظارقالوا: إنا إذا قلنا: إن وجود الرب عين ماهيته ـ كما هو قول أهل الإثبات، ومتكلمة أهل الصفات: كابن كلاب، والأشعري وغيرهما ـ

يلزم من ذلك أن يكون لفظ [الوجود] مقولًا عليهما بالإشتراك اللفظي، كما ذكره أبو عبد اللّّه الرازي عن الأشعري، وأبي الحسين البصري وغيرهم؛ وليس هذا مذهبهم، / بل مذهبهم: أن لفظ [الوجود] مقول بالتواطؤ، وأنه ينقسم إلى قديم ومُحدَث، مع قولهم: إن وجودالرب عين ماهيته، فإن لفظ الوجود عندهم كلفظ الماهية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير