تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنه يقال له: الحادث في اللغة ما كان بعد أن لم يكن، واللّه ـتعالى ـ يفعل ما يشاء؛ فما من فعل يفعله إلا وقد حدث بعد أن لم يكن.

/وأما المحدثات التى ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، فهي المحدثاتفي الدين، وهو أن يحدث الرجل بدعة في الدين لم يشرعها اللّه، والإحداث في الدينمذموم من العباد، واللّه يحدث ما يشاء لا معقب لحكمه.

فاللفظ المشتبه المجمل إذا خص في الاستدلال وقع فيه الضلالوالإضلال. وقد قيل: إن أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء.

الوجه الثاني ـ في بيان بطلان ما ذكر من الاستدلال: أن يقال ـ: إن اللّه ـ سبحانه ـ منزه أن يكون من جنس شيء من المخلوقات: لا أجساد الآدميين، ولا أرواحهم، ولا غير ذلك من المخلوقات؛ فإنه لو كان من جنس شيء من ذلك بحيث تكونحقيقته كحقيقته، للزم أن يجوز على كل منهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، وهذا ممتنع؛ لأنه يستلزم أن يكون القديم الواجب الوجودبنفسه، غير قديم واجب الوجود بنفسه، وأن يكون المخلوق الذي يمتنع غناه غنيًا يمتنعافتقاره إلى الخالق، وأمثال ذلك من الأُمور المتناقضة، واللّه ـ تعالى ـ نزه نفسهأن يكون له كُفو، ومثل، أو سََمِيٌّ، أو نِدٌّ.

فهذه الأدلة الشرعية والعقلية يعلم بها تنزه اللّه ـ تعالى ـ أنيكون من جنس أجساد الآدميين، أو غيرها من المخلوقات، لكن المستدل على ذلكبقوله: / {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاًجَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ} [الأعراف: 148] استدل بحجة ضعيفة؛ فإن [الجسد] وإن كان قد قال الجوهري وغيره: إن الجسد هو البدن، يقال: منه تجسد، كما يقال: من الجسم تجسم، والجسد ـ أيضًا ـ الزعفران ونحوه من الصبغ، وهو الدمأيضا؛ كما قال النابغة:

وما أريق على الأصنام من جسد فليس المراد بالجسد في القرآن لاهذا ولا هذا، فليس المراد من العجل أن له بدنًا مثل بدن الآدميين، ولا بدنًا كأبدانالبقر، فإن العجل لم يكن كذلك، والعرب تقول: جسد به الدم يجسد جسدًا: إذا لصقبه، فهو جاسد وجسد.

قال الشاعر:

ساعد به جسد مورس ** من الدماء مائع ويبس

والجسد الأحمر والمجسد ما أشبع صبغه من الثياب؛ لكمال ما لصق به منالصبغ، فاللفظ فيه معنى التكاثف والتلاصق؛ ولهذا يقول الفقهاء: نجاسة متجسدة وغيرمتجسدة، وهو في القرآن يراد به الجسد المصمت المتلاصق المتكاثف، أو الذي لا حياةفيه.

وقد ذكر اللّه ـ تعالى ـ لفظة الجسد في أربعة مواضع، فقال تعالى: {وَمَاجَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: 8]، وقال تعالى: / {وَأَلْقَيْنَا عَلَىكُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34] وقال: {وَاتَّخَذَ قَوْمُمُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} [الأعراف: 148] وقال تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْعِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [طه: 88] كأنه عجل مصمت لا جوفله. وقد يقال: إنه لا حياة فيه، خار خورة، ولم يقل: عجلًا له جسد، له بدن، لهجسم؛ لأنه من المعلوم أن كل عجل له جسد هو بدنه وهو جسمه، والعجل المعروف جسد فيهروح.

والمقصود: أنّ ما أخرجه كان جسدًا مصمتًا لا روح فيه حتى تبيننقصه، وأنه كان مسلوب الحياة والحركة.

وقد روى أنه إنما خارخورة واحدة، وقد يقال: إن أريد بالجسد المصمتأو الغليظ ونحوه، فلم قيل: إن ذلك ذكر لبيان نقصه من هذا الوجه، بل من هذا الوجهضلوا به، وإنما كان النقص من جهة {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً}. [الأعراف: 148] وقد يقال: إذا كان لا حياة فيهفالنقص كان فيه من جهة عدم الحياة، وغيرها من صفات الكمال، لا من جهة كونه له بدن، أو ليس له بدن، فالآدمي له بدن.

ولو أخرج لهم عجلًا كسائر العجول، أو آدميًا كاملًا، أو فرسًا حيًا، أو جملًا أو غير ذلك من الحيوان ـ لكان أيضًا له بدن، ولكان ذلك أعجوبة عظيمة، وكانت الفتنة به أشد، ولكن اللّه ـ سبحانه ـ بين أن المخرج كان موصوفًا بصفات النقصيحقق ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير