أي يطلبون النصر؛ أو يَعِدون به؛ فقبل نزول القرآن، وقبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون للعرب: إنه سيبعث نبي، وينْزل عليه كتاب، وننتصر به عليكم، ولما جاءهم الرسول الذي كانوا يستفتحون به كفروا به.
5. ومنها: أن اليهود لم يخضعوا للحق؛ حتى الذي يقرون به لم يخضعوا له؛ لأنهم كفروا به؛ فيدل على عتوهم، وعنادهم.
6. ومنها: أن الكافر مستحق للعنة الله، وواجبة عليه؛ لقوله تعالى: (فلعنة الله على الكافرين)
7. استدل بعض العلماء بهذه الآية على جواز لعن الكافر المعين؛ ولكن لا دليل فيها؛ لأن اللعن الوارد في الآية على سبيل العموم؛ ثم هو خبر من الله عزّ وجلّ، ولا يلزم منه جواز الدعاء به؛ ويدل على منع لعن المعين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم العن فلاناً، وفلاناً".
لأئمة الكفر، فنهاه الله عن ذلك؛ ولأن الكافر المعين قد يهديه الله للإسلام إن كان حياً؛ وإن كان ميتاً فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ".
8. ومن فوائد الآيتين: أن كفر بني إسرائيل ما هو إلا بغي، وحسد؛ لقوله تعالى: (بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده)
9. ومنها: أن من رد الحق من هذه الأمة لأن فلاناً الذي يرى أنه أقل منه هو الذي جاء به؛ فقد شابه اليهود
10. ومنها: أنه يجب على الإنسان أن يعرف الحق بالحق لا بالرجال؛ فما دام أن هذا الذي قيل حق فاتْبَعْه من أيٍّ كان مصدره؛ فاقبل الحق للحق؛ لا لأنه جاء به فلان، وفلان.
11. ومنها: أن العلم من أعظم فضل الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: {أن ينَزِّل الله من فضله على من يشاء}؛ ولا شك أن العلم أفضل من المال؛ وإذا أردت أن تعرف الفرق بين فضل العلم، وفضل المال فانظر إلى العلماء في زمن الخلفاء السابقين؛ الخلفاء السابقون قَلّ ذكرهم؛ والعلماء في وقتهم بقي ذكرهم: هم يُدَرِّسون الناس وهم في قبورهم؛ وأولئك الخلفاء نُسوا؛ اللهم إلا من كان خليفة له مآثر موجودة، أو محمودة؛ فدل هذا على أن فضل العلم أعظم من فضل المال.
12. ومن فوائد الآيتين: إثبات مشيئة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: {على من يشاء}؛ وهي عامة فيما يحبه الله، وما لا يحب؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ وكل شيء عُلِّق بالمشيئة فهو مقرون بالحكمة؛ لقوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً} [الإنسان: 30]؛ فليست أفعال الله وأحكامه لمجرد المشيئة؛ بل هي لحكمة بالغة اقتضت المشيئة.
13. ومن فوائد الآيتين: أن هذا الفضل الذي نزله الله لا يجعل المفضَّل به رباً يُعْبد؛ بل هو من العباد. حتى ولو تميز بالفضل؛ لقوله تعالى: (على من يشاء من عباده).
وهذه الفائدة لها فروع نوضحها، فنقول: إن من آتاه الله فضلاً من العلم والنبوة لم يخرج به عن أن يكون عبداً؛ إذاً لا يرتقي إلى منْزلة الربوبية؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم عبد من عباد الله؛ فلا نقول لمن نزل عليه الوحي: إنه يرتفع حتى يكون رباً يملك النفع، والضرر، ويعلم الغيب. ويتفرع عنها أن من آتاه الله من فضله من العلم، وغيره ينبغي أن يكون أعبد لله من غيره؛ لأن الله تعالى أعطاه من فضله؛ فكان حقه عليه أعظم من حقه على غيره؛ فكلما عظم الإحسان من الله عزّ وجلّ استوجب الشكر أكثر؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الليل حتى تتورم قدماه؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: "أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ويتفرع عنها فرع ثالث: أن بعض الناس اغتر بما آتاه الله من العلم، فيتعالى في نفسه، ويتعاظم حتى إنه ربما لا يقبل الحق؛ فحُرِم فضل العلم في الحقيقة.
14. من فوائد الآيتين: أن العقوبات تتراكم بحسب الذنوب جزاءً وفاقاً؛ لقوله تعالى: (فباءوا بغضب على غضب).
15. ومنها: أن المستكبر يعاقب بنقيض حاله؛ لقوله تعالى: {عذاب مهين} بعد أن ترفعوا؛ فعوقبوا بما يليق بذنوبهم؛ وعلى هذا جرت سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه؛ قال الله تعالى: {فكلًّا أخذنا بذنبه} [العنكبوت: 40]، وقال تعالى: {جزءًا وفاقاً} (النبأ: 26).
16. ومنها: أن الإظهار في موضع الإضمار من أساليب البلاغة، وفيه من الفوائد ما سبق ذكره قريباً.
¥