تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل ترك الواجب عمداً يبطل لعبادة؟

ـ[طالب النصح]ــــــــ[03 - 11 - 03, 06:13 ص]ـ

آمل قراءته وإفادتي ... رحم الله من أهدى إلي عيوبي

جرى بحث في هذه المسألة ... وقد رأيت أن أدلل على هذه القضية بما فهمته من كلام أهل العلم ... أضعه هنا ليطلع عليه فضيلة المشايخ في المنتدى ويفيدوني بتعليقاتهم وتوجيهاهم وإرشاداتهم جزاهم الله خيراً مقدماً

الواجب عند الأصوليين: هو طلب الفعل على وجه الإلزام.

ومن آثاره أنه يتعلق به الثواب والعقاب، فهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه.

ويتعلق به براءة الذمة، فيسقط به القضاء؛ فمن فعل ما أمره الله به برئت ذمته وسقط عنه القضاء، ومن لم يفعل ما أمره الله به لم تبرأ ذمته ولم يسقط عنه القضاء؛

إذ صحة العبادة عند الفقهاء: هي وقوع الفعل كافياً في سقوط القضاء، كالصلاة إذا وقعت بجميع واجباتها مع انتفاء موانعها، فكونها لا يجب قضاؤها هو صحتها. البحر المحيط للزركشي (1/ 313) وذكر أن اصطلاح الفقهاء أنسب من اصطلاح المتكلمين حيث جعل المتكلمون الصحة موافقة المأمور، والباطل مخالفته. وأما الفقهاء فكما رأيت جعلوا الصحة وقوع الفعل كافياً في إسقاط القضاء والباطل وقوع الفعل غير كاف في إسقاط القضاء.

وصحة العبادة لا تستلزم الثواب، فقد جاء في الحديث: "إن الله لا يقبل صلاة مدمن الخمر، أربعين يوماً"، مع توجه الخطاب الشرعي له بتكليفه بأداء الصلاة، فيلزمه أن يصلي خلال الأربعين الفروض الخمسة، حتى تبرأ ذمته من فعلها، و لا ثواب له، فالقبول المنفي في الحديث قبول الثواب والفضل.

وحصول الثواب لا يستلزم الصحة؛ فمن كان يصلي و لا يحسن الصلاة الشرعية، فترك شرطاً أو ركناً، فصلاته باطلة غير صحيحة، ويحصل له الثواب على قصده وذكر الله، فإن كان مقصراً في تعلم الصفة الشرعية للصلاة فهو آثم من هذه الجهة.

ودعوى صحة العبادة مع تعمد ترك واجباته لا تصح، أما على تعريف الصحة عند المتكلمين فظاهر، وأمّا على تعريف الصحة عند الفقهاء فهو أيضاً ظاهر لأن الواجب تعلقت الذمة بفعله فلا تبرأ إلا به، أو بما أقامه الشارع كفارة له، وقد أقام الشارع سجود السهو جابراً في حق من ترك شيئاً من واجبات الصلاة سهواً لا عمداً، فيبقى ترك الواجب عمداً بلا جابر، و لا تبرأ الذمة إلا بفعله، وقد فات محله فيلزمه الإعادة، وترك الواجب عمداً معصية، فهل يتقرب إلى الله بمعصيته؟! بله أن تصح منه! وزد على ما تقدم ورود النص برد العمل الذي ليس عليه الدين، ومعلوم أن تعمد إيقاع العبادة بترك واجباتها مما ليس عليه الدين، فهي حدث مردود على فاعله، قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وإيقاع العبادة عمداً على غير الصفة التي علمنا إيّاها الرسول صلى الله عليه وسلم منهي عنه بالعمومات الواردة في الشرع، وعليه فإن من خالف وأوقع العبادة على الصفة المنهي عنها عمداً بطلت منه.

والقضية التي ذكرها بعض أهل العلم في قوله: "إن الصلاة بعد انعقادها والدخول بها لا تفسد إلا بمفسد قد دل الشرع على أنه مفسد كانتقاض الوضوء ومكالمة الناس عمدا أو ترك ركن من أركانها الثابتة بالضرورة الشرعية عمدا؛

فمن زعم أنه يفسدها إذا فعل المصلي كذا؛ فهذا مجرد دعوى؛ إن ربطها المدعي بدليلها نظرنا في الدليل، فإن أفاد فساد الصلاة بذلك الفعل أو الترك فذاك، وإن جاء بدليل يدل على وجوب ترك الفعل فمن أخل بواجب عليه لزمه إثم من ترك واجبا.

فإن قلت: هل يمكن الإتيان بضابط يعرف به ما يفسد الصلاة وما لا يفسدها من الأفعال؟

قلت: لا. بل الواجب علينا الوقوف موقف المنع حتى يأتي الدليل الدال على الفساد.

ثم قال رحمه الله:ومما يصلح سندا لهذا المنع ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه كان يحمل أمامة فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها مع الأمر بالوجوب في السكون في الصلاة: ومع هذا لم يدل هذا العمل على البطلان مع قوله صلى الله عليه وسلم: "اسكنوا بالصلاة"."اهـ

أقول: هذا الكلام يحتاج إلى شيء من البيان من الجهات التالية:

الجهة الأولى: قوله في آخر كلامه: " ومما يصلح سندا لهذا المنع ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه كان يحمل أمامة فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها مع الأمر بالوجوب في السكون في الصلاة: ومع هذا لم يدل هذا العمل على البطلان مع قوله صلى الله عليه وسلم: "اسكنوا بالصلاة فيه ما يلي:

الأمر يقتضي الوجوب، ما لم تأت قرينة صارفة له، وهذا مقرر في الأصول، وعليه فالأمر بالسكون في الصلاة، الوارد في حديث جابر بن سمرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة" أخرجه أحمد ومسلم وأبوداود والنسائي. هذا الأمر "اسكنوا في الصلاة" مصروف إلى الاستحباب بقرينة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأمامة، أو يقال: محل الأمر بالسكون في الصلاة إذا كان لغير حاجة أمّا إذا طرأت حاجة مقتضية للحركة فيجوز، كالحركة لقتل العقرب، ولدفع المار بين يدي المصلي، ولوصل الصف، وسد الفرجة فيه، ونحو ذلك.

وعليه فلا دلالة فيما أورده في آخر كلامه على أن ترك الواجب عمداً بلا عذر لا يبطل العبادة.

الجهة الثانية: الكلام في الصلاة منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، فمن وقع من الكلام عمداً في الصلاة بطلت صلاته، لكن دل الدليل على أن من تكلم جاهلاً أو ناسيا لم تبطل صلاته، وهو حديث معاوية بن الحكم السلمي، وعليه فإن كلام المتعمد في الصلاة يبطل الصلاة. فهذا يدل على أن من ترك واجباً عمداً فقد وقع في فعل منهي عنه، فهو يقتضي الفساد.

الجهة الثالثة: قوله: "فإن قلت: هل يمكن الإتيان بضابط يعرف به ما يفسد الصلاة وما لا يفسدها من الأفعال؟ قلت: لا. بل الواجب علينا الوقوف موقف المنع حتى يأتي الدليل الدال على الفساد"اهـ. هذا صحيح، وترك الواجب عمداً بلا عذر مما يفسدها وقد قام الدليل عليه، بحسب التقرير السابق.

هذا الموضوع أكتبه وقد بذلت جهدي فإن أصبت فالحمد لله على توفيقه وإن أخطأت فهو مني، و لا حول ولا قوة إلا بالله،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير