الشيء قد: يكون جائزاً أن تتعبَّد به، وليس بمشروع أن تتعبَّد به
ـ[طالب النصح]ــــــــ[07 - 11 - 03, 05:51 ص]ـ
فائدة: الشيء قد: يكون جائزاً أن تتعبَّد به، وليس بمشروع أن تتعبَّد به
قال العلامة الفقيه المفسر الحبر البحر ابن عثيمين رحمه الله رحمة واسعة، الشرح الممتع، في كتاب الصلاة باب في أركان الصلاة، في آخره قبيل باب السهو:
وقوله: «وإن سجد فلا بأس» أي: أنه لو سَجَدَ لِتَرْكِ سُنَّة فلا نقول: إن صلاتك تبطل؛ لأنك زدت زيادة غير مشروعة، ونفيُ المشروعية في كلام المؤلِّف ليس نفيًّا مطلقاً، وإلا لكان السجودُ بدعة، وكان مبطلاً للصلاة،
كما قال بعض الفقهاء قال: إنه إذا سَجَدَ لِتَرْكِ السُّنَّة فصلاتُه باطلة؛ لأننا إذا قلنا: لا يشرع؛ صار بدعة، وكل بدعة ضلالة، فإذا سَجَدَ فقد أتى بزيادة غير مشروعة فتبطل الصلاةُ، لكن المذهب: أن السجود لا بأس به، إلا أنه غير مشروع.
والقول الثاني: أنَّ سجودَ السَّهو مشروع لترك المسنون، سواء كان مِن سُنَنِ الأقوال أم الأفعال؛ لعموم حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نسيَ أحدُكم فَلْيَسْجدْ سجدتين»، ولأنه إذا طُلب منه السجود اُنتبه لفعله حتى لا يتكرَّر منه السُّجود في كلِّ صلاة؛ لأن الغالب نسيان تلك السُّنَن؛ خصوصاً مَنْ لم يُواظب عليها.
وهذا الذي ذكره المؤلف - مِن كونه لا يُشرع السجود لتركه، وأنه إنْ سجد فلا بأس به - يدلُّ على قاعدة مفيدة وهي: أنَّ الشيء قد يكون جائزاً، وليس بمشروع، أي: يكون جائزاً أن تتعبَّد به، وليس بمشروع أن تتعبَّد به، وقد ذكرنا لهذا أمثلة فيما سبق يحضرنا منها:
أولاً: فِعْلُ العبادة عن الغير، كما لو تصدَّقَ إنسان لشخص ميت، فإن هذا جائز؛ لكن ليس بمشروع، أي: أننا لا نأمر الناس بأن يتصدَّقوا عن أمواتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرْ به، ولم يفعله هو بنفسه حتى يكون مشروعاً، فهو لم يقل للأمة: تصدَّقوا عن أمواتكم، أو صوموا عنهم، أو صلُّوا عنهم، أو ما أشبه ذلك، ولم يفعله هو بنفسه، غاية ما هنالك أنه أَمَرَ من مات له ميت وعليه صيام أن يصوم عنه لكن هذا في الواجب، وفَرْقٌ بين الواجب وغير الواجب.
ومنها: الرَّجُل الذي أمَّرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على سريَّة بعثها؛ فكان يقرأ ويختم لهم ب {) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الاخلاص:1) فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولكنه لم يقل للأمة: إذا قرأتم في صلاتكم فاختموا بـ {) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الاخلاص:1) ولم يكن هو أيضاً يفعله عليه الصلاة والسلام، فدلَّ هذا على أنه ليس بمشروع، لكنه جائز لا بأس به.
ومنها أيضاً: الوِصال إلى السَّحر للصائم، فإنه جائز، أي: يجوز ألا يفطر إلا في آخر الليل، أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السَّحر» لكنه ليس بمشروع، أي: لا نقول للناس: الأفضل أن يمسكوا حتى يكون السَّحَر، بل نقول: الأفضل أن يبادروا بالفِطر.
وهذه المسألة التي ذكرها المؤلِّف أنه إذا تَرَكَ سُنَّة قولية أو فِعْلِيَّة في الصلاة؛ لم يُشرع له السُّجود، وإن سجد فلا بأس.
وعندي في ذلك تفصيل، وهو: أن الإِنسان إذا تَرَكَ شيئاً من الأقوال أو الأفعال المستحبَّة نسياناً، وكان من عادته أن يفعله فإنه يُشرع أن يسجد جَبْراً لهذا النقص الذي هو نَقْصُ كمال، لا نقص واجب؛ لعموم قوله في الحديث: «لكلِّ سهو سجدتان»، وفي «صحيح مسلم»: «إذا نسيَ أحدُكم، فَلْيَسْجُدْ سَجدتين» فإن هذا عام، أما إذا تَرَكَ سُنَّة ليس من عادته أن يفعلها، فهذا لا يُسَنُّ له السُّجود، لأنه لم يطرأ على باله أن يفعلها."اهـ
وفي كلامه فوائد عزيزة نفيسة ...
لكن
لكن من يسعفني بحل هذا الإشكال ... وهو أن القاعدة تنص أن المباحات لا تدخل في العبادة، فكل ماثبتت مشروعيته في الصلاة فهو مستحب، ولو على أدنى درجاته،
لأن الشيخ رحمه الله رحمة الأبرار ذكر قبل ذلك أن المشروع ما يشمل المستحب والواجب.