تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[معرفة الناسخ والمنسوخ من الحديث]

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[12 - 11 - 03, 06:39 م]ـ

لا يخفى على أحد أن موضوع تعارض الأحاديث واختيار النسخ والجمع هو من أهم الأصول التي يختلف بسببها الفقهاء. وهذا الخلاف هو عماد كتاب الفيلسوف ابن رشد "بداية المجتهد". والحق أن هذا من أهم مباحث الأصول لكثرة الأحكام التي تبنى عليه.

وهذا بحث مهم فيه الرد على من أكثر من رد الحديث بزعم النسخ، وأكثر من فعل ذلك هم الأحناف طبعاً. وأفرط الشافعية في الجمع بتكلف. والصواب التوسط.

قال العلامة ابن خلدون في مقدمته:

الفصل السادس

في علوم الحديث

وأما علوم الحديث فهي كثيرة ومتنوعة لأن منها ما ينظر في ناسخه ومنسوخه وذلك بما ثبت في شريعتنا من جواز النسخ ووقوعه لطفا من الله بعباده وتخفيفا عنهم باعتبار مصالحهم التي تكفل لهم بها قال تعالى (ما تنسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)

فإذا تعارض الخبران بالنفي والإثبات وتعذر الجمع بينهما ببعض التأويل وعلم تقدم أحدهما تعين أن المتأخر ناسخ

ومعرفة الناسخ والمنسوخ من أهم علوم الحديث وأصعبها

قال الزهري أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله من منسوخه وكان للشافعي رضي الله عنه فيه قدم راسخة

قال إمام الأئمة ابن خزيمة: «لا أعرِفُ أنهُ رُوِيَ عن النبي (ص) حديثانِ بإسنادين صحيحين مُتضادَّين. فمن كان عندهُ فليأتني بهِ لأؤلِّف بينهما».

قال الطحاوي في "معاني الآثار" في "باب شرب الماء قائماً" (2\ 358): «أَولى الأشياء إذا رُويَ حديثان عن رسول الله (ص) فاحتمَلا الاتفاقَ واحتَملا التضادَّ: أن نحملهما على الاتفاق لا على التضاد».

وهذا حق، فلا يجوز أن نزعم نسخ حديث إلا بالأدلة الصريحة وفق ما فصلناه آنفاً. وليحذر المرء من زعم النسخ بمجرد توهم التعارض، فإن هذا يصير من باب الاستشكال بالرأي. إذ أن التعارضَ هنا هو مجرد فَهْم رجُلٍ من الرجال لم يَعرف وجهَ الجمع بين الحديثَين، فلم يَرجع إلى نفسهِ بالعجز. وكون الشناعة في هذا النوع هو أنه استشكالٌ في الفهم أفضى إلى رفع حُكمٍ من أحكام الشريعة بالرأي بعد ثبوته عن رسول الله (ص).

والنبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بأمرٍ، وفعل خِلافه، دل فعله على أن الأمر ليس للوجوب. ومال البعض إلى أن النبي (ص) إذا أمر بأمرٍ وفعل خلافه، صار الفعل خاصاً به، وبقي الأمر بالنسبة لكلامه على مدلوله للوجوب. وهذا ضعيفٌ، لأن سنة الرسول (ص) تشمل قوله وفعله. فإذا عارض قوله فعله، فإن أمكن الجمع فلا خصوصية، لأننا مأمورون بالاقتداء به قولاً وفعلاً. ولا يجوز أن نحمله على الخصوصية مع إمكان الجمع، لأن معنى ذلك ترك العمل بشطر السنة وهو السنة الفعلية.

شروط صحة دعوى نسخ الحديث:

الأول: هو ثبوت التعارض بين هذا الحديث وبين حديث صحيحٍ أيضاً، بحيث لا يمكن الجمع بينهما بدون تكلف شديد. ولا يقال بالنسخ مع إمكان الجمع، لأن النسخ مع إمكان الجمع إبطالٌ لأحد الدليلين، وهو ليس بباطل.

الثاني: هو معرفة الناسخ من المنسوخ. ويكون بأمور أهمها:

1 - أن يصرح الرسول (ص) بذلك.

ومن أظهر ذلك قوله الذي أخرجه مسلم في صحيحه (#1406) عن سبرة الجهني (ر) أنه كان (عام فتح مكة) مع رسول الله (ص) فقال: «يا أيها الناس. إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حَرّمَ ذلك إلى يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً». قال ابن حزم في المحلى (9\ 520): «ما حُرِّمَ إلى يوم القيامة، فقد أمِنّا نسخه».

وكذلك قوله الذي أخرجه مسلم في صحيحه (#1977) عن بريدة قال: قال رسول الله (ص): «نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها. ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم. ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير