تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أ - رمي التّرس:

64 - من ناحية رمي التّرس: يتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان في ترك الرّمي خطرٌ محقّقٌ على جماعة المسلمين، فإنّه يجوز الرّمي برغم التّترّس، لأنّ في الرّمي دفع الضّرر العامّ بالذّبّ عن بيضة الإسلام، وقتل الأسير ضررٌ خاصٌّ. ويقصد عند الرّمي الكفّار لا التّرس، لأنّه إن تعذّر التّمييز فعلاً فقد أمكن قصداً، ونقل ابن عابدين عن السّرخسيّ أنّ القول للرّامي بيمينه في أنّه قصد الكفّار، وليس قول وليّ المقتول الّذي يدّعي العمد.

أمّا في حالة خوف وقوع الضّرر على أكثر المسلمين فكذلك يجوز رميهم عند جمهور الفقهاء، لأنّها حالة ضرورةٍ أيضاً، وتسقط حرمة التّرس.

ويقول الصّاويّ المالكيّ: ولو كان المسلمون المتترّس بهم أكثر من المجاهدين. وفي وجهٍ عند الشّافعيّة لا يجوز، وعلّلوه بأنّ مجرّد الخوف لا يبيح الدّم المعصوم، كما أنّه لا يجوز عند المالكيّة إذا كان الخوف على بعض الغازين فقط.

65 - وأمّا في حالة الحصار الّذي لا خطر فيه على جماعة المسلمين، لكن لا يقدر على الحربيّين إلاّ برمي التّرس، فجمهور الفقهاء من المالكيّة، والشّافعيّة، وجمهور الحنابلة، والحسن بن زيادٍ من الحنفيّة على المنع، لأنّ الإقدام على قتل المسلم حرامٌ، وترك قتل الكافر جائزٌ. ألا يرى أنّ للإمام ألاّ يقتل الأسارى لمنفعة المسلمين، فكان مراعاة جانب المسلم أولى من هذا الوجه، ولأنّ مفسدة قتل المسلم فوق مصلحة قتل الكافر.

وذهب جمهور الحنفيّة، والقاضي من الحنابلة إلى جواز رميهم، وعلّل الحنفيّة ذلك بأنّ في الرّمي دفع الضّرر العامّ، وأنّه قلّما يخلو حصنٌ عن مسلمٍ، واعتبر القاضي من الحنابلة أنّ ذلك من قبيل الضّرورة.

ب - الكفّارة والدّية:

66 - ومن ناحية الكفّارة والدّية عند إصابة أحد أسرى المسلمين نتيجة رمي التّرس، فإنّ جمهور الحنفيّة على أنّ ما أصابوه منهم لا يجب فيه ديةٌ ولا كفّارةٌ، لأنّ الجهاد فرضٌ، والغرامات لا تقرن بالفروض، لأنّ الفرض مأمورٌ به لا محالة، وسبب الغرامات عدوانٌ محضٌ منهيٌّ عنه، وبينهما منافاةٌ، فوجوب الضّمان يمنع من إقامة الفرض، لأنّهم يمتنعون منه خوفاً من لزوم الضّمان، وهذا لا يتعارض مع ما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أنّه «ليس في الإسلام دمٌ مفرجٌ» - أي مهدرٌ - لأنّ النّهي عامٌّ خصّ منه البغاة وقطّاع الطّريق، فتخصّ صورة النّزاع، كما أنّ النّهي في الحديث خاصٌّ بدار الإسلام، وما نحن فيه ليس بدار الإسلام.

67 - وعند الحسن بن زيادٍ من الحنفيّة وجمهور الحنابلة والشّافعيّة تلزم الكفّارة قولاً واحداً، وفي وجوب الدّية روايتان:

إحداهما: تجب، لأنّه قتل مؤمناً خطأً، فيدخل في عموم قوله تعالى: {ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله إلاّ أن يصّدّقوا}.

الثّانية: لا دية، لأنّه قتل في دار الحرب برميٍ مباحٍ، فيدخل في عموم قوله تعالى {وإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} ولم يذكر ديةً. وعدم وجوب الدّية هو الصّحيح عند الحنابلة.

68 - ويقول الجمل الشّافعيّ: وجبت الكفّارة إن علم القاتل، لأنّه قتل معصوماً، وكذا الدّية، لا القصاص، لأنّه مع تجويز الرّمي لا يجتمعان. وفي نهاية المحتاج تقييد ذلك بأن يعلم به، وأن يكون في الإمكان توقّيه. وينقل البابرتيّ من الحنفيّة عن أبي إسحاق أنّه قال: إن قصده بعينه لزمه الدّية، علمه مسلماً أو لم يعلمه، للحديث المذكور. وإن لم يقصده بعينه بل رمى إلى الصّفّ فأصيب فلا دية عليه. والتّعليل الأوّل أنّ الإقدام على قتل المسلم حرامٌ، وترك قتل الكافر جائزٌ، لأنّ للإمام أن يقتل الأسارى لمنفعة المسلمين، فكان تركه لعدم قتل المسلم أولى، ولأنّ مفسدة قتل المسلم فوق مصلحة قتل الكافر.

69 - ولم نقف للمالكيّة على شيءٍ في هذا إلاّ ما قاله الدّسوقيّ عند تعليقه على قول خليلٍ: وإن تترّسوا بمسلمٍ، فقال: وإن تترّسوا بأموال المسلمين فيقاتلون ولا يتركون. وينبغي ضمان قيمته على من رماهم، قياساً على ما يرمى من السّفينة للنّجاة من الغرق، بجامع أنّ كلاًّ إتلاف مالٍ للنّجاة.

مدى تطبيق بعض الأحكام الشّرعيّة على أسرى المسلمين

حقّ الأسير في الغنيمة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير