أ- جمهور المتأخرين على أن هذه الصورة محرمة ولا تجوز إذا كان هناك إلزام من المصرف على أن العميل يشتري هذه السلعة بعد أن يشتريها المصرف.
دليلهم: استدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها:
1 - عموم الأحاديث التي تنهى الإنسان عن بيع ما ليس عنده، فإذا كان هناك اتفاق بين المصرف والعميل على أن العميل ملزم بشراء هذه السلعة فهنا يكون هناك بيع من المصرف لهذه السلعة قبل أن يملكها. ومن الأحاديث: حديث حكيم بن حزام أن النَّبيّ r قال: " ولا تبع ما ليس عندك "، وكذلك أيضاً حديث ابن عمر أن النَّبيّ r قال: " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك " وهذا في السنن وصححه الترمذي.
2 - عموم الأحاديث التي نهت الإنسان عن بيع الشيء قبل قبضه ومن ذلك حديث ابن عمر أن النَّبيّ r قال: " من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه " وهذا في الصحيحين، فإذا كان هناك اتفاق ملزم على العميل مع المصرف فإن هذا يكون فيه بيع من المصرف للسلعة قبل أن يقبضها، فيكون داخلاً تحت عمومات هذه الأحاديث التي فيها النهي عن ذلك.
3 - قالوا: إن حقيقة هذا البيع أنه بيع نقد بنقد أكثر منه إلى أجل بينهما سلعة، وهذا كما قال ابن عباس: دراهم بدراهم بينهما حريرة.
فهذا الشخص الآن ملزم بثمانين ألف ريال والبنك دفع للسلعة ستين ألف ريال ثم باعها عليه بثمانين ألفاً، فهذا عبارة عن بيع نقد بنقد أكثر منه إلى أجل فيدخل في ذلك ربا النسيئة وربا الفضل فيكون محرماً.
هذا ما عليه جمهور المتأخرين.
ب – أن هذه المواعدة التي تنبني على الإلزام جائزة لا بأس بها.
دليلهم: استدلوا على ذلك بأن قالوا: الحاجة داعية إلى ذلك لاتساع رقعة التعامل وتضخم رؤوس الأموال، وما دامت الحاجة داعية إلى ذلك فإن هذا يجوز كما جاز عقد الاستصناع وعقد السلم وسيأتي – إن شاء الله – الكلام على حقيقة عقد الاستصناع وهل هو عقد مستقل أو عقد سلم …إلخ.
الترجيح:
والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وأن هذه المسألة لا تجوز إذا كان هناك إلزام.
وأما ما استدل به القائلون بالجواز من أن الحاجة داعية إليه فهذا غير مسلَّم لوجود المخرج الشرعي كما في الصورة الثانية على القول بجوازها كما سيأتي إن شاء الله.
الصورة الثانية: وهي ما يبنى على المواعدة غير الملزمة بين الطرفين.
وهذه الصورة يقسمها العلماء إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون هناك ذكر مقدم للربح.
القسم الثاني: ألا يكون هناك ذكر مقدم للربح.
مثالها: أن يأتي العميل إلى المصرف (البنك) – ويطلب منه – والغالب أن العميل الذي يأتي إلى البنك إنما يريد قرضاً ولا يريد السلعة – فيأتي إلى المصرف ويتفق معه على أن يبحث العميل على سلعة؛ والغالب أن هذه السلعة تكون سيارة – ويقوم المصرف بشراء هذه السلعة. والمصرف دائماً يكون واجداً؛ فيشتري هذه السلعة بدراهم حاضرة ثم يقوم ببيعها على العميل بثمن مؤجل، فالمصرف يشتري هذه السيارة مثلاً بخمسين ألف ريال ثم يقوم ببيعها بثمن مؤجل بستين أو ثمانين ألف ريال حسب ما يتفقان عليه دون أن يكون هناك إلزام من المصرف للعميل بشراء هذه السلعة.
وهذه الصورة تكلم عليها العلماء قديماًَ فتكلم عليها الشافعي في " كتاب الأم " فقال ما نصه: إذا أُري الرجل السلعة فقال: اشترها وأُربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز، والذي قال: أُربحك – يعني الآمر بالشراء وهو العميل كما في صورتنا – فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعاًَ وإن شاء تركها، ثم قال: - وهكذا إن قال: اشتر لي متاعاًَ ووصفه له فكل هذا سواء، يعني أن الشافعي يرى جواز مثل هذه الصورة، لو قال: اذهب واشتر لي هذه السلعة وأنا أربحك فيها، ليس معه دراهم لكن سيشتريها بثمن مؤجل لأنه لو كان معه دراهم لم يقل: اشتر لي هذه السلعة ولا اشتراها بنفسه، فيأمر هذا الشخص أن يشتري له هذه السلعة أو يصف له سلعة يشتريها له، ثم بعد ذلك يقوم بشرائها منه بثمن مؤجل ويربحه في ذلك.
وهذه أيضاًَ نصَّ عليها الحنفية فابن عابدين رحمه الله في حاشيته على رد المحتار نصَّ عليها وأنها جائزة.
¥