((ومن ذلك _ أعني محدثات الأمور _ ما أحدثه المعتزلة، ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله تعالى وصفاته وهو أشد خطرا من الكلام في القدر، لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله، وهذا كلام في ذاته وصفاته.
وانقسم هؤلاء إلى قسمين:
أحدهما:
من نفى كثيرا مما ورد به الكتاب والسُّنة من ذلك لاستلزامه عنده التشبيه بالمخلوقين، كقول المعتزلة: لو رؤي لكان جسما، لأنه لا يرى إلا في جهة، وقولهم: لو كان له كلام يسمع لكان جسما.
ووافقهم من نفى الاستواء، فنفوه لهذه الشبهة، وهذا طريق المعنزلة والجهمية.
وقد اتفق السَّلف على تبديعهم وتضليلهم، وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن انتسب إلى الكتاب والسُّنة والحديث من المتأخرين.
والثَّاني:
من رام إثبات ذلك بأدلة العقول التي لم يرد بها الأثر، ورد على أولائك مقالتهم، كما هي طريقة مقاتل بن سليمان ومن تابعه كنوح بن أبي مريم، وتابعهم طائفة من المحدِّثين قديما وحديثا، وهو أيضا مسلك الكرَّامية، فمنهم من أثبت لإثبات الصِّفات الجسم، إما لفظا أو معنى،
ومنهم من أثبت للَّه صفات لم يأت بها الكتاب والسنة كالحركة وغير ذلك مما هي عنده لازم الصفات الثابتة. وقد أنكر السلف على مقاتل قوله في رده على جهم بأدلة العقل وبالغوا في الطعن عليه. ومنهم من استحل قتله، منهم مكي بن إبراهيم شيخ البخاري وغيره.
والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل: ولا يصح من أحد منهم خلاف ذلك البتة خصوصاً الإمام أحمد ولا خوض في معانيها ولا ضرب مثل من الأمثال لها: وإن كان بعض من كان قريباً من زمن الإمام أحمد فيهم من فعل شيئاً من ذلك اتباعاً لطريقة مقاتل فلا يقتدى به في ذلك إنما الإقتداء بأئمة الإسلام كابن المبارك. ومالك. والثوري والأوزاعي. والشافعي. وأحمد. واسحق. وأبي عبيد. ونحوهم.
وكل هؤلاء لا يوجد في كلامهم شيء من جنس كلام المتكلمين فضلا عن كلام الفلاسفة، ولم يُدخِل ذلك في كلامه من سلم من قدح وجرح
وقد قال أبو زرعة الرازي: كل من كان عنده علم فلم يصن علمه واحتاج في نشره إلى شيء من الكلام فلستم منه. ا. هـ
********************
وقد فصَّل الإمام ابن رجب - رحمه الله - بكلام بديع حال المتأثرين بالمتكلمين، وحال السلف رحمهم الله في شرحه لحديث ((الجهنميين)) في كتابة القيِّم " فتح الباري " (5/ 95_107) حديث رقم [806]
وقال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ} [الفجر:22].
ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك، ولا أخرجوه عن مدلوله، بل روي عنهم؛ يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء.؟
وقد روي عن الإمام أحمد، أنه قال في مجيئه: هو مجيء أمره.
وهذا مما تفرد به حنبل عنه.
_ فمن أصحابنا من قال: وهم حنبل فيما روى، وهو خلاف مذهبه المعروف المتواتر عنه.
وكان أبو بكر الخلال وصاحبه لا يثبتان بما تفرد به حنبل، عن أحمد رواية.
_ ومن متأخريهم من قال: هو رواية عنه، بتأويل كل ما كان من جنس المجيء والإتيان ونحوهما.
_ ومنهم من قال: إنما قال ذلك إلزاماً لمن ناظره في القرآن، فأنهم استدلوا على خلقه بمجيء القرآن، فقال: إنما يجيء ثوابه، كقوله: {جاء ربك}، أي: كما تقولون أنتم في مجيء الله، أنه مجيء أمره.
وهذا أصح المسالك في هذا المروي.
وأصحابنا في هذا على ثلاث فرق:
[#] فمنهم من يثبت المجيء والإتيان، ويصرح بلوازم ذلك في المخلوقات، وربما ذكروه عن أحمد من وجوه لا تصح أسانيدها عنه.
[##] ومنهم من يتأول ذلك على مجيء أمره.
[###] ومنهم من يقر ذلك، ويمره كما جاء، ولا يفسره، ويقول: هومجيء وإتيان يليق بجلال الله وعظمته سبحانه.
وهذا هو الصحيح عن أحمد، ومن قبله من السلف، وهو قول إسحاق وغيره من الأئمة.
¥