وهذا القول من أعظم الظلم وهو من جنس قول أهل الإلحاد والتحريف.
قال شيخ الإسلام بن تيمية: ((فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا الملائكة ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثيراً مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه …ومعلوم أن هذا قدحٌ في القرآن والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه هدى وبياناً للناس وأمرَ الرسول أن يبلغ البلاغ المبين وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله)).
[درء تعارض العقل والنقل باختصار (1/ 204)]
وقال أيضاً رحمه الله: ((وحقيقة قول هؤلاء في المُخاطِبِ لنا: أنه لم يبين الحق ولا أوضحه مع أمره لنا أن نعتقده، وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبين به الحق ولا كشفه، بل دلَّ ظاهره على الكفر والباطل وأراد منا أن لا نفهم شيئاً أو أن نفهم مالا دليل عليه فيه، وهذا كله مما يُعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه، وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد))
[درء تعارض العقل والنقل باختصار (1/ 201 – 202)]
ولهذا لما سُئل الإمامُ (أبو جعفر الترمذي) فقيه بغداد وعالمها عن كيفية نزول الله تعالى؟؟ قال: ((النزول معقول والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة))
قال الإمام الحافظ الذهبي معلقاً على هذا الكلام: ((صدق فقيه بغداد وعالمها في زمانه، إذ السؤال عن النزول ماهو؟ عيٌّ، لأنه إنما يكون السؤال عن كلمةٍ غريبةٍ في اللغة، وإلا فالنزول والكلام والسمع و البصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليلةٌ واضحةٌ للسَّامع، فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعةٌ للموصوف وكيفية ذلك مجهولة عند البشر وكان هذا الترمذي من بحور العلم والعُباد الورعين مات سنة 295 هـ)) أهـ.
[العلو للعلي الغفار الذهبي ص 156]
فالقول بأن رأي السلف هو: ((السكوت عن آيات الصفات وأحاديثها وتفويض علم معناها إلى الله …)) أن هذا القول غير صحيح عن السلف ولم يقل به أحد من السلف أبداً، بل أحدثه جماعة من الخلف من المتأخرين من (الأشاعرة المعتزلة) ظناً منهم أن هذا هو مذهب السلف، وهم بريئون منه كما مرَّ معنا.
ولذلك قال الإمام الحافظ الذهبي: ((المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالةً مُولَّدةً ما علمت أحداً سبقهم بها، قالوا: هذه الصفات تُمَر كما جاءت ولا تُأول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد …))
[العلو للعلي الغفار، للذهبي ص 183]
ولذلك كان القول بالتفويض هو أحد القولين اللذين يقول بهما الأشاعرة المتأخرون والآخر هو التأويل وكلاهما هو المعتمد عندهم في كتبهم،
كما قال ناظمهم: (وكلُّ نصٍ أوهم التشبيها أوِّلهُ أو فَوِّض ورُم تنزيها)
[انظر منظومة الجوهرة]
فتبين بهذا أن القول بالسكوت عن معاني نصوص الصفات وتفويض ذلك إلى الله تعالى قولٌ مبتدع لم يقل به السلف أهل السنة والجماعة،
قال العلامة الخزرجي رحمه الله تعالى:
واخجلتا من مقالٍ لا أساسَ لهُ،،،، زوراً على اللهِ من ينطقْ به يَهُنِ
أهَلْ يُخاطبُنا مولى العبادِ بما،،،، لم يَدرِ معناهُ هذا قول مُفْتَتَنِ
أهَلْ يقولُ لنا قولاً ومَقْصَدُهُ،،،، غيرَ الذي قالهُ إخفاءَ مُندَفِنِ
أهَل يُخاطِبُنا ظَهراً ويُبطنهُ،،،، عنَّا فما القصدُ من جَدواهُ بالعلَنِ
هذي مقالةُ جهمٍ والذينَ مضوا،،،، على طريقتهِ وهناً على وهنِ
بقيَّةٌ بَقِيَتْ من شؤمِ فِتنتهِ،،،، من نفخِ إبليسَ بالتعطيلِ والضغنِ
طوائفٌ رأسُها إبليسُ يُرْشِدُهم،،،، إلى الرَّدى وسبيلِ الغيِّ والشَّطَنِ
[منظومة العلامة الخزرجي ضمن كتاب شهود الحق]
والله الموفق
ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[18 - 12 - 03, 11:01 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي الفاضل " حارث همام "
وجعلك شوكة في حلوق المبتدعة
******************
هذا كلام ابن رجب رحمه الله كاملا حول المسألة التي سأل عنها السائل
قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه النافع " فضل علم السَّلف على علم الخلف "
بعد كلامه عن الخوض في القدر ثم الكلام عن الخوض في سرِّ القدر، قال:
¥