وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ثَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ بِلَالٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لا يَحِلُّ لامْرِئٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَذَلِكَ لِمَا حَرَّمَ اللهُ مَالَ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ)).
قَالَ الشَّيْخُ أبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ «المُهَذَّبُ» (2/ 274): ((وأَمَّا كُرَةُ الصَّوْلَجَانِ، وَمُدَاحَاةُ الأَحْجَارِ، وَرَفْعُهَا مِنَ الأَرْضِ، وَالمُشَابَكَةُ، وَالسِّبَاحَةُ، وَاللَّعَبُ بِالخَاتِمِ، وَالوُقُوفُ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ اللَّعَبِ الَّذِي لَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الحَرْبِ، فَلا تَجُوزُ المُسَابَقَةُ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ، لأَنَّهُ لا يُعَدُّ لِلْحَرْبِ، فَكَانَ أَخَذُ العِوَضِ فِيهِ مِنْ أَكْلِ المَالِ بِالبَاطِلِ)).
قُلْتُ: وَكُلُّ مَا ذَكَرَهُ أبُو إِسْحَاقَ إِنَّمَا حَرُمَ بَذْلُ العِوَضِ فِيهِ وَأَكْلُهُ، لأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ الَّذِي لا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، أَوْ إِظْهَارِ دِينِهِ، أَوْ إِعْلاءِ كَلِمَتِهِ. وَلأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ المَيْسِرِ الذي يُوقِعُ بِهِ الشَّيْطَانُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَصُدُّهُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَعَنْ الصَّلاةِ، ولا مَنْفَعَةَ فِيهِ فِي دِينٍ وَلا دُنْيَا.
وَقَدْ أَنَاطَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَالمَيْسِرِ بهَذَه المَفَاسِدِ وَالغَايَاتِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ ((إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)).
وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الْعُقَلاءِ الْفُهَمَاءِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَي الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحَلالِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ مِنْ الْبَطَالَةِ عَنْ الْمَكَاسِبِ الْمَشْرُوعَةِ، وَالأَعْمَالِ النَّافِعَةِ كَالتِّجَارَاتِ، وَالزِّرَاعَاتِ وَالصَّنَائِعِ، وَالانْصِرَافِ عَنْ الْغَايَاتِ السَّامِيَةِ، وَرَأْسُهَا وَأَشْرَفُهَا: إِعْلاءُ كَلِمَةِ اللهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَبْلِيغُ دِينِهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً.
وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ((وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) [الْجُمُعَةُ: 11].
وَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ((الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)) [الأعراف:51].
وَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ((وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) [الأَنْعَامُ: 70].
[فَصْلٌ] وَإِذَ لَمْ يَجُزْ بَذْلُ الْعِوَضِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلا مِنْ السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَثْرِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَغْنِيَائِهِمْ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَصَالِحِ، وَلا مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَشْرُوعَةِ لِلْكَافَّةِ، وَلِلْمَفَاسِدِ الْكَثِيرَةِ الآنِفِ ذِكْرُهَا.
ــ هامش ـــ
(1) يَصْدُرُ قَرِيبَاً عَنْ دَارِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
¥