تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الإمام أحمد في فضل المجاهدين: " ليس يعدل لقاء العدو شيء، ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال،والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم، فأي عمل أفضل منه؟ الناس آمنون وهم خائفون، قد بذلوا مهج أنفسهم ". والكلام في فضل الجهاد والمجاهدين ذو شجون، لا يتسع له المقام.

الصفة السادسة / عدم خوف الملامة: {ولا يخافون في الله لومة لائم}

وهذه الصفة متعلقة بالصفة التي قبلها، لأن غالب الملامة تقع على العبد فيما فيه احتكاك بالناس ومواجهة معهم، من جهاد، ودعوة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وفي العموم فيما يخالف هوى الناس ..

وهذا من الابتلاء الذي يصيب العبد الناصر لدينه والباحث عن رضا ربه، يواجهه في دعوته إلى الله وفي جهاده وقيامه بالواجبات أيضعف؟ أم يصبر ويحتسب؟

وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في مبايعته للنبي صلى الله عليه وسلم قال: "وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم "، وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أراد الجنة لاشك فلا يخاف في الله لومة لائم "، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع – وذكر -: وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مُرّاً، وألا أخاف في الله لومة لائم".

قال ابن كثير: " أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله، وقتال أعدائه، وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يردهم عن ذلك راد، ولا يصدهم عنه صاد، ولا يحيك فيهم لوم لائم، ولا عذل عاذل ". وقال النووي في معنى حديث عبادة الذي في الصحيحين: " نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان، الكبار والصغار، لانداهن فيه أحداً ولا نخافه، ولا نلتفت إلى الأئمة ". أهـ

بل إن خشية الملامة هي من خصال المنافقين، لأن أعينهم على الدنيا ناظرة وقلوبهم في الدنيا راغبة، وعن الآخرة هم معرضون، فإنهم وربي لخاسرون. قال البغوي: " وذلك أن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم".

وإن من المقرر شرعاً أن ترك العمل بسبب الملامة لا يعد عذراً شرعياً، قال السيوطي: " فيه أن خوف الملامة ليس عذراً في ترك أمر شرعي ". ولا يخفى أن خوف الملامة لا تختلط بمقاصد الشريعة، أو المصلحة الشرعية المعتبرة، ومراعاتها فهي معتبرة شرعاً. ومقدرة بقدرها.

* * *

ولا شك أن وجود الملامة في الجهاد أكثر وأكبر؛ لأن دوافعها في النفوس الضعيفة أقوى وأغزر، قال ابن القيم: " وأعلى ما يحبه الله ورسوله الجهاد في سبيل الله، واللائمون عليه كثير، إذ أكثر النفوس تكرهه، واللائمون عليه ثلاثة أقسام: منافق، ومخذل مفتر الهمة، ومرجف مضعف القوة ". أهـ

ولكن مع هذا فعباد الله الصالحون الأبرار الذين تفضل الله عليهم بهذه الصفات لا يثنيهم عن عزمهم شيء، ولا يردهم عن مرامهم راد، ولا يصدهم عن قصدهم صاد، طالما أنهم في طريق الهدى سائرون، ولِسُبُلِ الشيطان صادون، ولِطُرُقِ الضلال محايدون ومجانبون، يسعون في مصافحة المنون وكأنها هدايا توزع في يومِ جوائزٍ، كل يستقبلها بصدر رحب مسرور، رضوا ببيع الله، فأرضاهم الله. لا حرمنا الله من فضله.

فهم قائمون بواجب الجهاد ولا يلتفتون ولو وجدوا الملامة من أحد فإنها لا تصدهم عن نصرة دين ربهم، لأن محبة الله فوق كل شيء ورضا الله مقدم على رضا عبيده، وإن وجود هذه الملامة لزيادة خير لهم لأنها ابتلاء وتمحيص حتى يظهر مَنْ هو مُقَدِّمٌ لربه على خلقه من العكس.

* * *

وإن الإعراض عن الملامة وعدم المبالاة بها لدليل قوة الإيمان، وارتفاع المحبة لله، وعلو الهمة وقوة العزيمة، والصلابة في الدين، وهذه نُقُولٌ توضح وتأكد ذلك: قال ابن الجوزي: " فأَعْلَم اللهُ عز وجل أن الصحيحَ الإيمان لا يخاف في الله لومة لائم، ثم أَعْلَم أن ذلك لا يكون إلا بتوفيقه، فقال {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} ". وقال ابن القيم: " وهذا علامة صحة المحبة فكل محب يأخذه اللوم على محبوبه فليس بمحب على الحقيقة، كما قيل:

لا كان من لسواك فيه بقية يجد السبيل بها إليه اللوم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير