ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[16 - 01 - 06, 05:30 م]ـ
فصل
في (ص40) ذكر المؤلف لقاء الشيخ التليدي بجدنا محدث الحرمين الشريفين الإمام محمد المنتصر بالله رحمه الله تعالى، وذكر أنه كان النائب الأول لحزب الشورى والاستقلال بطنجة، وأن هذا الحزب كان من الأحزاب الإسلامية قبل وبعد الاستقلال، وأن الجد حاول استقطاب الشيخ لحزبه لكن الشريف الزمزمي بن الصديق "أجاب في التو بالرفض الجازم عن الدخول في معمعة السياسة الحزبية الفاشلة".
وأقول:
هذا الكلام غير محرر، وعليه ملاحظات عديدة.
منها: أن جدنا – رحمه الله – كان له حزبه الخاص الذي أسسه رفقة جماعة من أصحابه العلماء والفضلاء في شبابه، وسماه "حزب الخلافة"، وقصده إرجاع الخلافة الإسلامية لسابق مجدها، وإخراج المحتل الكافر من بلاد المسلمين، وكان شعاره في ذلك الهلال والسيف والقلم، وقد بين منهاجه في كتابه "فتية طارق والغافقي".
لكنه واجه مصاعب من صنفين من الناس: من الوشاة الذين أوغروا صدر السلطان محمد بن يوسف (محمد الخامس) عليه، وأنه يسعى لهدم الدولة العلوية وتأسيس دولة إدريسية، مع أنه صرح في كتابه السابق أنه يسعى لتوحيد بلاد المغرب العربي تحت نظام إسلامي ملكي دستوري، يقوده الملك محمد بن يوسف.
والصنف الثاني من أعدائه: حزب الاستقلال الذي كان شديد التعصب على مخالفيه يرميهم بشتى التهم. وطالما حاولوا إيذاء الجد لولا تدخل زعيم الحزب علال بن عبد الواحد الفاسي الفهري رعاية لعلاقة المصاهرة بين الجد وبين آل الفاسي، فإن زوجة الجد، وهي جدتنا، هي السيدة أم هانيء بنت عبد السلام الفاسي الفهري، فهي ابنة عم علال الفاسي.
نعم؛ كان الجد ينسق مع حزب الشورى والاستقلال بزعامة الشريف محمد الحسن الوزاني، لكونه آنذاك كان يضم جملة من فضلاء العلماء، ومنهم: عم جدنا الأستاذ الكبير إدريس بن محمد بن جعفر الكتاني، الذي كان من قيادييه، حفظه الله تعالى وبارك في عمره.
فلما ضاقت السبل بالجد في مدينة سلا، هاجر لطنجة فآذاه أعداؤه وحاولوا قتله في المسجد وهو يلقي درسا كبيرا في السيرة النبوية الشريفة مع ربطها بالواقع، فنجاه الله تعالى من كيدهم.
وعند ذاك لما ضاقت به وسائل العمل في المغرب قرر الهجرة للشام، فضم من بقي في حزبه لحزب الشورى وهاجر بنفسه ثم بأولاده لدمشق الشام سنة 1376هـ.
ومنها: أن حزب الشورى لم يكن حزبا إسلاميا بما يعنيه هذا المصطلح اليوم. فإن الناس آنذاك لم يكونوا ينكرون النظام الإسلامي فضلا عن محاربته، ولكنهم كانوا يسعون للاستقلال عن المحتل. لكن الأفكار الإفرنجية ثم العلمانية بدأت تتسلل للشباب شيئا فشيئا في غفلة من العلماء الذين كانوا يقودون هذه الأحزاب، بل حتى بتأثر بعضهم بذلك. حتى انسلخت طوائف منهم من الإسلام وهي لا تشعر. فمنها من دعا للإلحاد، ومنها من دعا للعلمانية ونبذ الشريعة الإسلامية.
وكان حزب الشورى بعد الاستقلال يخوض رجاله صراعا داخليا بين تيار إسلامي وبين تيار علماني يدعو لنبذ الشريعة بحجة وجود مواطنين مغاربة يهود!!، وعند ذاك كتب الدكتور إدريس الكتاني كتابه الشهير الهام: "المغرب المسلم ضد اللادينية"، وأعلن خروجه من الحزب، فأدى ذلك تدريجيا لموت الحزب.
أما رفض الشريف الزمزمي رحمه الله تعالى للخوض في المعمعة الحزبية، ووصفها بالفاشلة؛ فجوابه: أن الخوض في العمل السياسي من خلال أحزاب منظمة هو السبيل لمواجهة مكايد أعداء الإسلام، فإن المرء بمفرده لا يمكن أن يخرج عدوا محتلا من بلاده ويواجه مخططات أعداء الدين. وهل جاء بالاستقلال – كيفما كان – إلا نضال الأحزاب الوطنية وضغطهم السياسي والمسلح على المحتل؟. لكن خطأهم الكبير هو انحرافهم نحو التفرنج والتأثر بالعدو بدل التمسك بالإسلام والتميز به والدفاع عن شريعته. وهو الذي استدركته الأحزاب والجماعات الإسلامية بعد ذلك.
ولعل الشريف الزمزمي، رحمه الله تعالى، أدرك ذلك بعد فترة، فأسس جماعته "أنصار السنة".
أما الشيخ أحمد فقد كان بينه وبين الجد تعاون وثيق في المغرب والمشرق، ولتفصيل هذا مكان آخر. وقد كانت أنشطته الجهادية والسياسية سببا في اعتقاله أكثر من مرة كما لمح لذلك المؤلف (ص42)، وقد بينت ذلك أنا في كتاب "فقه الحافظ أحمد بن الصديق الغماري" بنوع من التفصيل عما هو مجمل هنا.
فصل
¥