ذكر في (ص44) مكوث الشيخ في العَدْوتين.
وكان عليه أن يبين معناهما لأهل المشرق الذين سيقرأون الكتاب، وأنهما مدينتا: سلا ورباط الفتح. نسأل الله أن يعيدهما لسالف عهدهما العلمي والديني.
فصل
في (ص66) تحت عنوان "المعارك العلمية"، ثم ذكر المعارك مع الشريف محمد الزمزمي بن الصديق. ولم يفصل شيئا من ذلك، ولا فهم القاريء كيف كان الزمزمي شيخا للتليدي ثم انقلب الأمر إلى العداء؟!.
وحاصل القصة: أن الشيخ أحمد بن الصديق رحمه الله تعالى أثر في سائر إخوانه بمنهاجه العملي وحدته في مواجهة مخالفيه، وكان إخوته تلاميذه كعبد الله ومحمد الزمزمي وعبد الحي وعبد العزيز والحسن وإبراهيم. فمالوا إلى الأخذ بالحديث والعمل بالآثار ونبذ المذهبية، وخاصة مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى.
لكنهم جميعا بقوا ملازمين للتصوف، وخاصة طريقتهم الدرقاوية الشاذلية، مدافعين عن شعائر متأخري الصوفية من سماع ورقص وبناء على القبور وتوسل واستغاثة بالصالحين، وغير ذلك من أمور معروفة.
أما في الاعتقاد؛ فالجميع تأثر بالتشيع الزيدي في مسائل الصحابة، ثم اختلفوا في الأسماء والصفات وغيرها من الأبواب.
وقد كان إبراهيم والحسن ينأيان بنفسيهما عن التظاهر بمخالفة الجمهور والخوض في النزاعات العلمية.
وكان محمد الزمزمي نشيطا في الزاوية مطيعا لشقيقه أبي الفيض، وصنف رسالة "الانتصار لطريق الصوفية الأخيار".
ثم إنه تمعن القواعد التي بنى عليها شقيقه أحمد منهاجه الفقهي، وحصل له مناقشات علمية مع التقي الهلالي والناصر الألباني رحمهما الله تعالى، فأعلن خروجه من الزاوية، وشن حربا شعواء على مناهجها وطريقتها، وتبرأ من الانتساب إليها في أبيات شهيرة قالها. بل تبرأ من الانتساب للبيت الصديقي الغماري واكتفى هو وذووه باسم "الزمزمي".
ثم أسس مسجده المسمى "مسجد الهدي النبوي"، وأسس جماعته المسماة "أنصار السنة".
وقامت معارك ضارية بين الزمزمي وأخيه أحمد لا هوادة فيها، فاختار الزمزمي تحريم الاستغاثة بغير الله تعالى وأنها شرك، وحكم بالبدعة على كثير من شعائر الطريق عند المتأخرين، وصنف كتابه "الزاوية وأثرها السيء على الأمة"، و"شرح كلمة التوحيد". وهو في كل ذلك يوافق السلفيين، فلذلك حصل تقارب كبير بينه وبين زعيم السلفيين في المغرب آنذاك تقي الدين الهلالي.
لكنه بالمقابل كان يقول باستحباب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ويقيم الاحتفال في مسجده بالأناشيد والأمداح والحلويات وما إلى ذلك. وكان أشعري العقيدة، يضلل السلفيين، حتى إنه صنف كتابه "المحجة البيضاء" يرد فيه عقيدة العلو والاستواء، وكتاب "الطوائف الموجودة في هذا الوقت"، فعد السلفيين من أهل البدع، حتى إنه انتقص فيه من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.
وهو في هذا يخالف شقيقه أحمد الذي كان في مسائل الصفات والإيمان والقدر أقوم بالسنة وأشبه بأهل الحديث السلفيين، وكذلك كان الأخوان عبد الحي وعبد العزيز، أما عبد الله فهو أشعري كذلك.
كما أن الزمزمي خالف أخاه في مسائل فقهية حصل فيها تعصب لا معنى له، مثل مسألة إتمام المسافر خلف المقيم، ومسألة قصر الصلاة للمسافر، ومسألة توحيد المسلمين في الصوم والإفطار. وهي كما ترى فروع ما كان ينبغي التعصب فيها، فما زال العلماء يخالف بعضهم بعضا ولا يفسد ذلك للود قضية، فضلا عن أن يتقاطعوا ويتسابوا!!.
وقد كان هذا هو سبب تغير الصفاء بين شيخنا التليدي وشيخه الزمزمي. ولم تهدأ المعركة بوفاة السيد أحمد، بل زادت سعارا. ثم لما دخل شيخنا العلامة أبو الفضل عبد الله ابن الصديق من مصر سنة 1390هـ بعد سجن دام عشر سنوات فيها، إثر محنة المسلمين هناك على يد جمال عبد الناصر، قبحه الله، تسلم مقاليد الزاوية، فاستمرت المعركة إلى قرب وفاة السيد الزمزمي سنة 1407هـ، حيث عاده شقيقه عبد الله وتسامحا وحصل بكاء كثير بينهما. رحم الله الجميع.
نعم؛ حصلت مناقشات علمية وسوق رائجة للتصنيف وشحذ همم في التأليف، وغاب كل ذلك بغياب تلك الأرواح الطاهرة. رحم الله الجميع.
وقد كنت سألت جدي الإمام محمد المنتصر بالله رحمه الله تعالى عن آل الصديق، فقال لي: إنه تأثر بهم أول أمره، خاصة لما سافر معهم لمصر لطلب العلم بالأزهر، ومال لنبذ المذهب والقول بالاجتهاد، قال: "ثم وجدت أن الأمر صعب، وأن ذلك يقتضي اتخاذ رأي في كل مسألة فقهية، وهو أمر ليس بالهين، فرجعت لمذهب مالك مع العمل بالدليل إذا ظهر لي".
وقال لي: "أعلم آل الصديق أبو الفيض أحمد، وأكثرهم صلاحا وورعا محمد الزمزمي".
قلت: كان إخوة الزمزمي يتهمونه بأنه وهابي!، والصحيح أنه صاحب منهج خاص به.
واعلم بارك الله فيك، أن الله نفع بالسيد الزمزمي أمة من الناس، وكان له تأثير كبير في الشمال المغربي وتلاميذ كثيرون، وتبعه جماعة من العامة تعصبوا لفتاواه أشد التعصب، حتى إنه لما توفي خلفه في المسجد ولده أبو نعيم صهيب، وكان من فضلاء العلماء سنيا أثريا، معتدلا، بعيدا عن الشطط والغلو، وخالف والده في العقيدة الأشعرية، فقد كان سلفيا، كما أنه خالفه في العديد من الاختيارات الفقهية، مما جلب له سخط أصحاب والده، وقد توفي سنة 1411هـ، رحمه الله رحمة واسعة.
ومن أنبغ تلاميذه: العالم الداعية أبو رؤيم هشام بن عبد السلام التمسماني، حفظه الله تعالى، وهو كذلك ممن أخذ عن الشيخ التليدي.
فصل
قال في حاشية (ص7):
"لَلّا: لقب مغربي للمرأة الشريفة المنسوبة لآل البيت الأطهار".
قلت: كلا، بل هو لقب احترام لأي امرأة، ولا يشترط أن تكون من البيت النبوي الشريف، فهي مثل: سيدي. للرجل.
-يتبع-
¥