واختيار الشيخ التليدي حفظه الله تعالى العزلة هو اختيار اختاره وله فيه سلف، ومعه أدلة، كما أن من اختار المشاركة والمخالطة مع التميز والتمسك بالدين وإظهاره وتحمل الأذى في سبيل ذلك، ومواجهة مكايد أعداء الإسلام، والسعي في إحيائه في نفوس الخاصة والعامة، والذب عن أعراض العلماء الصادقين المجاهدين، والدعاة المخلصين سبيل آخر، له سلفه وعمل به أيمة كبار، ومعه أدلته، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
واعلم، بارك الله فيك، أن لشيخنا التليدي مرحلتين في حياته، لمح لهما المؤلف ولم يفصل:
الأولى: عندما كان مع شيخه أحمد بن الصديق، وبعد وفاته إلى وفاة الشريف محمد الزمزمي سنة 1407هـ.
الثانية: منذ تلك السنة وإلى الآن.
فأما المرحلة الأولى؛ فقد كان شديد التحمس لشيخه أبي الفيض أحمد، شديد التأثر بعقيدته وفكره. ولذلك فقد ورث معاركه العلمية والسياسية كما قال المؤلف (ص60): "كان لصحبة شيخنا لمولانا سيدي أحمد رحمه الله ثمن باهظ، إذ تحمل سيدي عبد الله من بعد شيخه سيدي أحمد الإرث السياسي بما في ذلك المشاجرات مع بعض الأحزاب المغربية، والإرث العلمي بما في ذلك المناظرات مع طوائف المبتدعة والمتعصبة".
قال أبو محمد: المتعصبة هنا المقصود بهم: غلاة المالكية الذين كانوا متعصبين لما عليه خليل ومتأخروا الأصحاب.
أما المبتدعة؛ فالمعنى بهم هنا: دعاة السنة والتوحيد والأثر، يوافقون الشيخ أحمد بن الصديق في أصل دعوته، لكنهم يخالفونه في الكثير من المسائل التي خالف فيها الصواب. رحم الله الجميع. وربما كان الحق معه في أمور أخرى، لكن دخل التعصب بين الطائفتين.
وقد كرهت للمؤلف وصف أولئك بالمبتدعة، وما هم إلا العلامة الشريف محمد الزمزمي بن محمد بن الصديق وجماعة من أصحابه، وكذلك العلامة الشيخ تقي الدين محمد بن عبد القادر الهلالي، وجملة من أتباعه، ومنهم في تطوان: شيخنا العلامة الشريف أبو أويس محمد بن الأمين بوخبزة العمراني حفظه الله تعالى.
وإنما كرهت للمؤلف ذلك لأن القاريء سيظن أن هذه الطوائف المبتدعة من جنس غلاة الشيعة أو منحرفي الصوفية أو غير ذلك من الخوارج المارقين أو المعتزلة الضالين!!.
وهذه المرحلة كما أن الشيخ تركها ورأى قلة جدواها، ولمس ما تجنيه على الدعوة الإسلامية من كوارث في وقت عمت فيه العلمانية وغلب على الناس الانسلاخ من الدين، فإنه أيضا تراجع عن كثير من أخطاء شيخه وغلطاته وحدته ضد مخالفيه. ولم يبين المؤلف هذا. وقد كان عليه أن يفعل.
فإن كثيرا من الناس إذا قرأوا كتب الشيخ الأولى أخذوا عنه فكرة غير التي سيأخذونها إذا قرأوا كتبه التالية.
وقد لمست هذا بنفسي، ودافعت عن عرض الشيخ حفظه الله في الكثير من المجالس، ونشرت فضله وبينت تمسكه بالسنة ودفاعه عنها، وعذره فيما أخطأ فيه لجميل قصده. وأن أخطاءه – ولكل عالم أخطاء – مغمورة في بحر فضله، وأنه معدود من أهل السنة والأثر.
ويجب أن لا نغطي الشمس بغربال، فإن المخالفين للشيخ يتهمونه بالتشيع والغلو في التصوف.
وجوابنا عن ذلك: أنها كانت مرحلة في حياة الشيخ إبان فورة شبابه لما التقى بالشيخ أحمد ابن الصديق وتأثر به، لكنه رجع عن ذلك.
والدليل عليه: أنه كتب يرد على الرافضة في العديد من الكتب، وأوضح عقيدته في الصحابة الكرام والرد القوي على من نال منهم في كتابه "فضائل الصحابة".
بل له كلام صريح في الترضي والترحم حتى على البغاة على الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، كما في بعض حواشي "تهذيب الشفا" حيث ذكر عمرا بن العاص وترضى عنه ورد على الشيعة.
نعم؛ في شيخنا تشيع خفيف من جنس تشيع جماعة من خيار المحدثين أهل السنن والآثار، كعبد الرزاق، والنسائي والحاكم والبيهقي والدارقطني. وهو تشيع حميد إن شاء الله تعالى، قد كان في جماعة من أهل بيتنا أيضا، وقد بينت مذهبي في هذا بالتفصيل في بعض كتبي.
أما الغلو في التصوف؛ فكلام الشيخ في جميع كتبه الأخيرة يخالفه ويرد على الغلاة، وتصوفه من جنس تصوف جماعة من خيار المحدثين كأبي إسماعيل الأنصاري ومحمد بن طاهر المقدسي وأبي الوقت السجزي وسعد الزنجاني ... وغيرهم. ولا يعني هذا لا موافقتي ولا مخالفتي له، فقد بينت مذهبي في ذلك في بعض كتبي بحمد الله.
¥