وعهدي به منذ أول الكتاب وهو يكرم العلماء بلقب "سيدي" وغير ذلك، وأقل ذلك: أن يصفه بلقبه العلمي "الشيخ" أو "المحدث"، وذلك اقتداء بشيخه صاحب الترجمة، فإنه بعد اسطر ذكر كلاما للشيخ التليدي وصف فيه الألباني بقوله: "العلامة المحدث الشيخ ... الذي يعتبر من أفراد هذا العصر في علم الحديث النبوي الشريف، مع الاطلاع الواسع، والتجلد والعمل المتواصل منذ أكثر من نصف قرن، فأمثاله في هذا العصر – والاعتراف بالحق فضيلة - قليلون".اهـ.
وقد كنت زرت الشيخ رفقة شقيقي أبي الليث حمزة الكتاني بارك الله فيه، بعد صدور هذا الكتاب بمدة، لعله في سنة 1417هـ، أو التي تليها، وسألته عن كلام الناس في الإمام الألباني؟.
فقلت له: إنهم يقولون إنه محدث وليس بفقيه.
فقال: بل له نصيب من الفقه.
فقلت: إنهم يقولون إنه لا شيخ له.
فقال: وشيخنا سيدي أحمد لا شيخ له في الحديث، بل طول البحث والصبر عليه أوصله إلى ما وصل إليه، وكذلك كبار المحدثين.
فقلت: فكيف حاله في علم الحديث؟.
قال: هو علامة متمكن.
هذا ملخص الحوار على ما بقي في ذهني منه، وقد كنت قيدت ذلك وقتها في محله بأدق من هذا، لكن المقصود هو: أننا لما رجعنا للأردن اجتمعنا بجماعة من أصحاب الشيخ الألباني، رحمه الله، ومنهم ناسخه: الشيخ الفاضل أبو موسى عصام هادي، حفظه الله، فأخبرناه بكل ذلك وبما ذكره الشيخ التليدي في "تهذيب الترمذي"، ففرح به كثيرا، وكان نعم الأخ والصديق، وكنا نكثر من ذكر علماء المغرب من آل بيتنا ومن آل الصديق له، ونعرفه بتراثهم حتى أحبهم ولهج بهم.
فانطلق إلى الشيخ الألباني وعرفه بذلك كله، فسر به ومدح الحافظ أحمد بن الصديق ومدح علمه.
وقصدي من هذا: بيان إنصاف الشيخ التليدي، وتركه للتعصب، وتأثير ذلك على مخالفيه.
فإن شيخنا التليدي لا يخفاه كلام أبي عبد الرحمن الألباني في شيخه أبي الفيض، ولا يخفاه معاركه الطويلة مع شيخه أبي الفضل عبد الله بن الصديق، لكنه ترك ذلك كله وعلم أنه من سمات الحياة العلمية، فنأى بنفسه عن معارك حالها كما قال تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يعملون}.
ولا شك أن كل منصف يشهد بأن الله تعالى جدد شباب علم الحديث على يد الإمام الألباني رحمه الله تعالى، حتى عاد غضا طريا.
أخبرني أبو موسى عصام هادي أنه زار الألباني وهو على فراش الموت، فقال له: "إن ابن عثيمين يقول: الألباني عنده تساهل في تصحيح الأحاديث".
فقال له الألباني: "لقد أدركت زمانا وأهل نجد لا يفرقون بين الصحيح والضعيف، ولم يكن أحد إذذاك يهتم بهذا العلم الشريف، فإذا وصلنا لزمان ارتقى الحال بهذا العلم وانتشر حتى يقال: إني متساهل في الحكم على الأحاديث. فإننا بحمد الله في خير". ثم ذكر جهوده في ذلك وجعل يبكي. رحمه الله رحمة واسعة وجعل الجنة مثواه.
وقد أكرمنا الله أنا وأخي فحضرنا درسا للشيخ سنة 1416هـ، وفرح بنا لما علم أننا أحفاد الإمام الشريف محمد المنتصر بالله الكتاني، وسألنا عن صحته. ثم زرناه في المستشفى قبيل وفاته رحمه الله تعالى.
فصل
نقل المؤلف (ص114) عن الشيخ في كتابه "إتمام المنة" (ص207) قوله عن سنة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة:
"وهذا الوضع هو مذهب كل الأيمة رحمهم الله، ولم يخالف فيه ويرسل إلا الروافض وبعض المتعصبة من المنتسبين إلى مذهب مالك. مع أن ابن عبد البر – وهو من أيمة المالكية – يقول: لم يأت عن النبي فيه خلاف ... إلخ".
قلت: كلا؛ ليس هذا الخلاف قاصرا على الروافض فحسب، بل قد ثبت بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب، و روي عن جماعة من السلف كعبد الله بن الزبير و طاووس اليماني، و هو رواية عن أحمد بن حنبل، ذكرها العبيكان في شرحه على "مغني ذوي الأفهام".
و هو رواية المصريين عن مالك، رحمه الله تعالى، و رواية غيرهم. و أظنه قول الليث ابن سعد رحمه الله أيضًا.
و قد ذكر ذلك كله الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، رحمه الله تعالى، في كتابيه "التمهيد" و "الاستذكار". و بينت طرفًا منه في "فقه الحافظ بن الصديق".
وهو قول جميع الشيعة لا الروافض الإمامية فحسب، بل الزيدية أيضًا. و قول الإباضية من الخوارج.
¥