وأيضا كان بين آل بيتنا من جهة أمي، حفظها الله، وبين الصديقيين محبة أكيدة، كما بينت لك، خاصة لما انتقل السيد أحمد لمعقلهم في سلا حيث كان أبناء الإمام الشهيد وعلى رأسهم العلامة محمد المهدي وجد أمي الإمام أبو الهدى محمد الباقر المحدث المربي، ثم جدنا أبو هريرة عبد الرحمن، رحمهم الله جميعا، وكان بينهم جميعا توافق في العمل بالكتاب والسنة وفي نصرة التصوف السني، مع عدم موافقة السيد حمد في بعض اجتهاداته وطريقته في الدعوة.
وقد ذكرت لك أن السيد أحمد كان بينه وبين الجد وعمه رئيس علماء الشام محمد المكي بن محمد بن جعفر الكتاني تنسيق في العمل السياسي في المشرق لنصرة الإسلام وتوحيد بلاد المسلمين.
ولما سجن شيخنا أبو الفضل عبد الله بن الصديق في مصر سنة 1380هـ، وكادوا يحكمون عليه بالإعدام، قامت قائمة جدنا أبي هريرة عبد الرحمن، وبذل كل جهوده باسمه وباسم الطريقة الكتانية ورابطة علماء المغرب لإنقاذ حياة الشيخ عبد الله. وبقي الشيخ عبد الله يعرف له ذلك إلى وفاته.
فهذه هي العلاقة بين الأسرتين، حتى إنهما ليكادان أن يكونا أسرة واحدة، بل قد كانوا كذلك: يجمعهم الأصل الواحد، والهم الواحد. بل قد قرأت بخط جدي الإمام المنتصر أنه لما أنشأ حزب الخلافة انضم إليه السيد أحمد بطريقته الصوفية وأتباعه، ولعله يقصد أنه دعمه دعما معنويا وانضم إليه جماعة من أصحابه. والله أعلم.
ولا يعكر على هذا كله ما كان بين السيد أحمد والحافظ أبي الإسعاد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، فتلك قصة أخرى لها أسباب خاصة لا مجال لبسطها هنا.
الوقفة الثانية: علاقتي بآل ابن الصديق
وقد ورثت أنا وأخي أبو الليث هذه المحبة وتلك العلاقة منذ الصغر، وكنت كثيرا ما أجد مؤلفات الصديقيين في مكتبات أجدادي فأتشوق لرؤيتهم.
وفي إحدى المناسبات استدعى خالي الدكتور الشيخ محمد بدر الدين الكتاني حفظه الله الشيخين عبد الله وعبد الحي رحمهما الله تعالى لبيته، ولعله كان في سنة 1409هـ، فلقيتهما، وفرحت بذلك فرحا عظيما، ثم تتابعت لقاآتي بهم جميعا ومراسلاتي لهم واقتنائي لمؤلفاتهم، واستفساراتهم، تارة في مدينة سلا، وأخرى في طنجة، خاصة بعد هجرتنا من الحجاز للمغرب سنة 1410هـ، فكنت أراسل أبا الفضل عبد الله، واستجزته فأجازني برواية الكتب الستة والموطأ، ثم أجازني إجازة عامة، وأهداني بعض كتبه. ولما توفي سنة 1413هـ كتبت رسالة في ترجمته سميتها: "استلهام رحمة الباري في ترجمة شيخنا عبد الله الغماري".
ثم كنت كثير الاختلاف لبيت شيخنا أبي اليسر عبد العزيز بن الصديق، واستضافني مرة في بيته مع شقيقي الأصغر الدكتور الحسين بن علي حفظه الله تعالى، وربطت علاقة وطيدة بأبنائه الكرام أثمر الله غرسهم. وكانوا هم أيضا يزوروننا في البيت بالرباط.
وكلما زرت طنجة أجول على العلماء: عبد العزيز وعبد الحي، وعبد الله التليدي، تلميذهم جميعا وصاحبهم.
وبقيت العلاقة حتى لما شددت الرحال لطلب العلم بالأردن، وأجازوني جميعا بمروياتهم واستفدت من مؤلفاتهم، وكانوا عمدتي في الفتيا عند استشكال الأمور. حتى توفوا، رحمهم الله تعالى، فلم يبق إلا شيخنا عبد الله التليدي، حفظه الله، فكنت أراسله وأزوره، حتى ابتلينا بهذه المحنة، عجل الله الفرج ... آمين.
وما ذكرته ينطبق على شقيقي أبي الليث حفظه الله أيضا، وهي محبة نقلتها لتلاميذي وأصحابي، وكانت سبب دراستي "فقه الحافظ ابن الصديق".
ومن مشايخي الذين استفدت منهم كثيرا العالم المربي الشريف أبو محمد عبد القادر بن عبد الرحمن بن هشام بن الصديق الغماري حفظه الله، فقد درست عليه النحو والتوحيد، والفقه والفرائض في مسجد "مولين" بالرباط، وهو أيضا من العاملين بالسنة، ومن أبناء عمومة الشرفاء المذكورين.
الوقفة الثالثة: في حقيقة كلامي الذي كتبته
¥