تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإنما كان مشروعا، بل مطلوبا لأنه من باب الشكر الذي يقرب إلى الله، وليس من باب الفرح الذي بمعنى البطر والكبر المنهي عنه لأنه يصرف عن المنعم و إحسانه. وأمثلة هذا الفرح الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بالضحك-كثيرة في مواقف النبي من أصحابه وما رزقهم الله من نعم، وما فرج عنهم من غم، فقد ضحك حين قضى دين جابر ابن عبد الله، رضي الله عنهما، قال جابر في سياق القصة:"000 فما تركت أحدا له علي أبي دين إلا قضيته، وفضل لي ثلاثة عشر وسقا، فذكرت له ذلك فضحك، وقال:" أنت أبا بكر وعمر فأخبرهما". إنه فرح بالنعمة وتحدث بها.

فإذا ما أتينا إلى النعم العامة التي تعم الأمة كلها وجدت فرحة أشد، وليس أدل علي ذلك من هذا المشهد الذي طبع ضمير الصحابة حين رأوه، وقد انفرجت أساريره، وهو يعاني أشد آلام المرض الذي مات فيه صلوات الله عليه بل اليوم الذي مات فيه جعلها أنس تاريخا، قال:" آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كشف الستارة يوم الاثنين ". وإنما كان إشراقة وجهة وتهلله وتبسمه حين رأى أبا بكر رضي الله عنه يصلى بهم، قال الزهري عن أنس:"000 حتى إذا كان يوم الاثنين، وهم صفوف في الصلاة، كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة، فنظر إلينا وهو قائم؛ كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً".

قال النووي:" كأن وجهه ورقة مصحف: عبارة عن الجمال البارع وحسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته000 وسبب تبسمه صلى الله عليه وسلم فرحه بما أي من اجتماعهم علي الصلاة، واتباعهم لإمامهم وإقامتهم شريعته، واتفاق كلمتهم واجتماع قلوبهم، ولهذا استنار وجهه صلى الله عليه وسلم علي عادته إذا رأي أو سمع ما يسره يستنير وجهه"

الضحك وسيلة إيضاح:

إلا أن العجب قد يأخذ البعض حين يعلمون أن ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام- في كثير من الأحيان-بدور (وسيلة الإيضاح) بمفهومها التربوي الحديث. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم يضحك، استدرار لسؤال أصحابه إياه: مم تضحك؟ فيجبيبهم علي هذا السؤال بما يريد أن يسديه إليهم من علم؛ قال سهل بن سعد رضي الله عنه:" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالخندق فأخذ الكرزين (وهو الفأس) فحفر به، فصادف حجرا فضحك، فقيل: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال:

" ضحكت من ناس يؤتي بهم من قبل المشرق في النكول (وهي القيود) يساقون إلى الجنة" ويعني بهم الأسري الذين يسلمون في الأسر، إلا ضحكه صلوات الله عليه هنا له أكثر من عطاء:

1 - فهو مواكب لأعمال شاقة بدنيا ونفسيا: فخ\حفر الخندق حول المدينة أبان غزوة الأحزاب وما صاحبه من توتر في جو المدينة، عبر عنه القرآن نفسه بمنتهى الصدق في تصوير إذ قال: (وإذ زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر) (/)

ومثل هذا الجو وما أضيف إليه من كبد جسدي في حفر الخندق حول المدينة كان يحتاج إلى هذه البسمة من النبي صلوات الله عليه لتخفف الأعباء، وتلطف الأجواء.

2 - ثم هي-في آنيتها-جاءت مع ضربة فأس كشفت عن صعوبة في الحفر، إذ"صادف حجرا"، وهذا من شأنه أن يشعر الصحابة بمشقة الأمر، فيضيف إلى أعبائهم النفسية عبئا آخر، من هنا تكون البسمة تسلية من ناحية، وجذبا لانتباههم من واقع الحدث إلى أفق آخر.

3 - وهي في الوقت نفسه شغل للفكر، وتحويل لدفة الاهتمام، ليس لمجرد (التشاغل) وإنما هي (إحلال) حقيقي لشغل لحظي آخر، يفوت علي الشيطان اغتنام (عناء اللحظة) ليصنع بؤرة كنيبة في نفس المجاهد، بل يحول هذه (الفجوة) -التي يمكن أن تخترم من جراء العقبة التي لقيها الفأس-إلى (كوة) تضئ آفاق هذه النفس.

4 - وإنما يتمثل (زيت) هذه الكوة، الذي يضئ مصباحها، في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم علي سؤالهم عن سبب ضحكه، وهو أنه ذكر نتيجة من نتائج النصر، وهو الأسر بل جعل هذه النتيجة مزدوجة لتعطي ثمار النصر المادي والمعنوي، النصر المادي بأسر العدو، والنصر المعنوي يتحول هذا الكافر إلى الإسلام الذي يقوده إلى الجنة.

وللمتمثل أن يتمثل كيف يكون مقدار البشر الذي يسري في دماء المجاهدين وهم يستمعون إلى هذه الإجابة النبوية، التي كان مفتاحها (ابتسامة) شقت طريقها إلى الثغر الميمون في لحظة (عسرة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير