تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مثل هذا الأسلوب أو التجوز بالنقص معهود في لغة العرب، وله فوائد منها الاختصار ومقام المعركة يقتضيه، ومن فوائده كذلك التعميم ليشمل صاحب الأمر المعني ومحبه وأهله وغيرهم ممن يسمعه ويسعه الجواب، ولعل هذا المعنى ظاهر في قول اخوة يوسف (واسأل القرية التي كنا فيها والعير) الآية، فكأنهم أرادوا المبالغة اسأل كل شيء في القرية؛ الصغير والكبير والذكر والأنثى بل القرية كلها والعير.

وكذلك أبو سفيان أراد أن يعم أهل نصر الله وصاحبه ومحبه وإن لم يكن أهلاً له حال رخائه ونحو ذلك.

ثالثاً:

السياق كما هو ظاهر يحتمله.

وهذه الأمور الثلاثة كافية في تعيين لزوم حمل العبارة على شيء مما ذكر، وإن لم تكن شعاراً للمسلمين، وإذا لم يكن المقام مقام اختصار فكيف وقد قيل هي شعار ومقام المعركة ليس مقام كلام بل صمت واختصار.

ثم يقال رابعاً:

الجملة المنقولة (يا نصر الله! اقترب) ولم تشكل، فاحتمل أن يريد اقترَب، بفتح المهملة، فيكون قوله (يا نصر الله) بهذا الاعتبار من جملة ذكر صفة من صفات الله لتقوية حضور معنى معين يحض على الاجتهاد في القتال والثبات فيه، فهي من قبيل ذكر الرعاية كأن تقول الله معي، الله ناصري، الله ناظر إلي، ونحو ذلك مما يستدعى به حضور معنى مطلوب في النفس.

وقد يقال هذا الشكل للكلمة أولى من من الكسر، لأن نصر الله وصفاته لم تجر العادة بندائها ودعائها اللهم إلاّ إن أريد بالفعل المفعول فهذا مأثور في اللغة ويقصدون به مخلوقا خاصاً كنحو قول بشار:

يا رحمة الله حلي في منازلنا = وجاورينا فدتك النفس من جار

يا رحمة الله حلي غير صاغرة = على حبيب بدار الحب مرار

وقوله:

يا رحمة الله حلي في منازلنا = حسبي برائحة الفردوس من فيك

فجعل محبوبته رحمة الله التي هي مفعوله لأنها من أعظم الرحمة في ناظريه. كخلق الله مخلوقه، ولم يرد الصفة كما هو ظاهر.

وعلى هذا يكون قوله (اقترب) فمن قبيل قولهم أحد أحد، أو أمت أمت. ويمكن أن يكون تقديرها اقترب نولك أو غير ذلك.

خامساً:

العبارة في أقل أحوالها محتملة للأوجه التي أشير إليها، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال لا يقدم على المحكم، بل إن مثل هذا الاحتمال يبطل الاستدلال عندهم وإن كان النص دليلاً شرعياً فكيف إذا لم يكن بدليل؟

سادساً:

من أبى كل ذلك فيقال له: قول الصحابي يكون حجة بشروط عند المحققين الذين قالوا به، منها عدم معارضته لدليل، وهذا ما خالفه الدليل إذا أبيت إلاّ حمله على المعنى الذي تريد.

هذه بعض الأوجه التي خطرت ونشط إلى كتابتها ولعل فيها كفاية.

والله أعلم.

ـ[أبو عمر الطباطبي]ــــــــ[29 - 01 - 06, 07:01 م]ـ

الأخ الكريم حارث همام زادكم الله علما وحرصا وأثابكم في رغبتكم التوضيح والبيان، وكذلك الأخوة الفضلاء الذين شاركوا بما منَّ الله به عليهم

الأخوة الكرام إن مداخلتي في هذا الموضوع لم تكن عن جواز دعاء الصفة أو عبادة الصفة وإنما كلامي كما هو مسطور-وبإمكانكم مراجعته- ما الحجة في أن القول يا رحمة الله دليل على أن الصفة شيء مستقل منفصل عن الله أو بمعنى آخر من أين جاء هذا الإلزام، هذا هو مناط المداخلة الأولى وقلت في المداخلة الثانية هل لو قال الإنسان مثلا يا رحمة الله اقتربي أو يا عفو الله اقترب أو نحو ذلك، هل يقتضي ذلك أن الصفة شيء مستقل منفصل عن الله يسمع ويجيب، وجواب الأخوة الفضلاء إنما كان عن حكم عبادة الصفة، ولست عن هذا أتكلم.

والذي يظهر لي أن قول الإنسان يا رحمة الله وأشباه ذلك لا يستلزم أن الصفة شيء مستقل منفصل عن الله يسمع ويجيب، فإن صفته تعالى منه لا يمكن أن تكون منفصله عنه، وبعد مداخلتيَّ هاتين وتفضلكم بالجواب بحثت فوجدت أن الشيخ ابن عثيمين رحمه قد سئل-بعد حديثه عن المنع من عبادة الصفة أو دعائها-هل قول الإنسان: يا رحمة الله، يدخل في دعاء الصفة الممنوع؟

فأجاب بقوله: إذا كان مراد الداعي بقوله: " يا رحمة الله " الاستغاثة برحمة الله - تعالى - يعني أنه لا يدعو نفس الرحمة ولكنه يدعو الله - سبحانه وتعالى - أن يعمه برحمته كان هذا جائزاً، وهذا هو الظاهر من مراده، فلو سألت القائل هل أنت تريد أن تدعو الرحمة نفسها أو تريد أن تدعو الله - عز وجل - ليجلب لك الرحمة؟ لقال: هذا هو مرادي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير