وقديما أشير إلى جواب ما يتعلق بالاستغاثة والتفريق بين معاني بعض العبارات ولم تتعقبوه بل استحسنتموه وذكرتم أنه بقي سؤال وهو المتعلق بالنداء هل يلزم منه أن تكون الصفة عند المنادي منفصلة قائمة بنفسها أو لا.
وعلى كل حال فرق بين أن يقول القائل:
أستغيث رحمة الله. فهذا مكافئ لقول القائل يارحمة الله أغيثيني. فإن الاستغاثة طلب الإجابة.
وبين أن يقول:
يا الله أستغيث. فهذا يكافئ قول القائل يا الله أطلب الجواب، يا الله أغثني، وهو نحو الوارد في الاستسقاء (اللهم أغثنا).
فالجملة الأولى طلب من رحمة الله؛ أطلب غوث (جواب) رحمة الله.
والثانية: يا الله أطلب الغوث (الجواب).
فأستغيث استفعال متضمن لطلب، كما تقول استسقى طلب السقيا، واستشفى طلب الشفاء، واستعانة طلب العون، واستعاذة طلب العوذ، وهكذا كل ما كان استفعالاً فهو طلب الفعل. إلاّ أن الإغاثة الإجابة فهي طلب إجابة، أما الاستعاذة والاستعانة فطلب عوذ وطلب عون لا طلب إجابة. وفرق بين طلب الإجابة وبين طلب العوذ ممن جعل سبباً طبعياً أو شرعياً للعوذ ولعلي أشير إليه بشيء أكثر تفصيلاً.
وأما الفعل (غوث) فهو فعل متعد بنفسه لا يحتاج في لغة العرب ولسانهم إلى حرف جر حتى يتعدى إلى المفعول.
فتقول: (إذ تستغيثون ربكم) ولا تحتاج إلى إدخال الباء على المطلوب فتقول إذا تستغيثون بربكم، وتقول: (فاستغاثه الذي من شيعته) ولست بحاجة إلى إدخال الباء على على المفعول فتقول: استغاث به. أما إدخال الباء عليه فخلاف الأصل ولايكون إلا لتضمين معنى.
مثله مثل (ضرب)، تقول ضرب زيدٌ عمراً، ولا تدخل أداة لأنه يتعدى بنفسه، فإذا قلت ضرب زيدٌ بعصاه عمراً.
أو: ضرب زيد عمراً بعصاه. كان المضروب عمراً والأصل أن العصا وسيلة يتوسل بها إلى الضرب وليس مفعولاً لضرب، كما قال الله تعالى: (فاضرب بعصاك البحر).
بخلاف الفعل (جلس) –على سبيل المثال- فإنك تعديه إلى المفعول بعلى، ولايتعدى بنفسه، فتقول جلس زيد على الكرسي، أو جلست على الكرسي، ولا تستطيع أن تعديه إلى مفعوله بغير أداة أبداً. فإن تعدى بغير على فلتضمين معنى إضافي [اختصارا لمن أراد معرفة معنى التضمين فليراجع بدائع الفوائد لابن القيم ومقدمة التفسير إن لم تخني الذاكرة فقد تكلما عن عيناً يشرب بها عباد الله لماذا عداها بغير أداتها هناك وشرح معنى التضمين].
وإذا تقرر لديكم أن استغاث من الغوث (الجواب)، وهو متعد بنفسه كضرب، علمت أن قوله:
يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث.
أو قولك:
يا حي ياقيوم أستغيث برحمتك.
سيان لايفعل التقديم والتأخير كثير معنى إلاّ ما يقال في تقديم ما من حقه التأخير، ويقال فيهما ما قيل في المثل: ضرب موسى بعصاه البحر، أو ضرب موسى البحر بعصاه. فأفاد تقديم ما حقه التأخير الحصر أي اضرب بعصاك لا وغيرها البحر لا غيره.
فإذا اتضح هذا –أخي الحبيب- بدا جلياً أنه ليس في الحديث استغاثة (طلب إجابة) من الصفة وإنما توسل بها في طلب غوث (إجابة) المنادى وهو الحي القيوم.
===
ثم قلت أخي الحبيب: " ولئن أمكن الحمل في بعض الأحاديث وتفسيرها بالتوسل فإن ذلك لا يستقيم في الأحاديث كلها، والأولى-عندي-أن نقول يجوز الاستغاثة بالصفة والاستعاذة بها لمجيء الأحاديث الصحيحة بذلك ولا نتكلف تأويلها على معنى التوسل، كما أنه لا يظهر لي محذور شرعي من ذلك لأن الصفة من الله تعالى لم يزل متصفا بها، .. ".
لا مانع من مناقشة الآثار التي ترون أن فيها جواز الاستغاثة بالصفة واحدة واحدة ولنر هل فيها طلب الغوث (الجواب) من الصفة أم أنه طلب غوث (جواب) بالصفة؟
أما الأحاديث الصحيحة فيرى تجلة أهل العلم –كالعلامة عبدالرحمن البراك والشيخ عبدالعزيز الراجحي حفظهما الله وابن العثيمين رحمه وغيرهم- أنه ليس فيها استغاثة بالصفة، وإنما التوسل بها، ولهذا يورد أهل السنة كثيراً من تلك الآثار عند كلامهم على التوسل المشروع في معرض بيانه.
ولعلي أوافقك في عدم تكلف التأويل وتوافقني في لزوم فهم كلام العرب على وجهه فلا نجعل اللازم متعد ولا المتعدي بأداة متعد بنفسه على خلاف أصله.
أما المحذور الشرعي فإنه ظاهر، فالقول بجواز استغاثة الصفة واستعاذتها قول بجواز عبادتها ودعائها وفي هذا عدة محاذير، ما يحضرني منها:
- مخالفة الإجماع الذي نقل عن شيخ الإسلام في دعاء الصفة.
¥