- مخالفة النصوص الآمرة بصرف العبادة لله وحده، وأنه لايجيب المضطر (يغوث) إلاّ الله، والله علم على الذات المقدسة القائمة بنفسها وليس علم على صفاتها وإن دلت عليها باللزوم أو التضمن.
- مخالفة النصوص الناهية عن صرف العبادة لغير الله تعالى، وصفات الله ليست هي إياه وإن كانت لاتباينه الذاتية منها والفعلية على تفصيل لعل الخوض فيه لايناسبه هذا الموضوع.
- القول بجواز عبادة لم تشرع للفرق بين الاستغاثة (طلب الجواب) بالصفة واستغاثة (طلب جواب) الصفة، أما الاستغاثة بالصفة فلا إشكال فيه وهو توسل وفي حقيقته كما قال شيخ الإسلام استغاثة بالله.
===
قلتم لافض فوكم: " فالاستغاثة بصفة من صفاته هي استغاثة بالله تعالى قال شيخ الإسلام:" والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة كما أن الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة وكما أن القسم بصفاته قسم به في الحقيقة، ففي الحديث أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، وفيه أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، ولهذا استدل الأئمة فيما استدلوا على أن كلام الله غير مخلوق بقوله:أعوذ بكلمات الله التامة، قالوا: والاستعاذة لا تصلح بالمخلوق، وكذلك القسم قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت، وفى لفظ من حلف بغير الله فقد أشرك رواه الترمذي وصححه، ثم قد ثبت في الصحيح الحلف بعزة الله و لعمر الله ونحو ذلك مما اتفق المسلمون على أنه ليس من الحلف بغير الله الذي نهى عنه" [مجموع الفتاوى 1/ 111 - 112]، ... ".
ذكر الإمام هذا الكلام بعد أن ذكر الحديث الذي سبق وأن تحدث عنه (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) ومضى بيان معنى قوله برحمتك أستغيث، والفرق بينه وبين أستغيث رحمتك في لغة العرب.
فلا يعاد، وأرجو أن يُتأمل، فإن كان عليه اعتراض فليبين، وما قرره شيخ الإسلام هنا هو بيان أن الاستغاثة برحمة الله استغاثة به في الحقيقية، وذلك لأن الاستغاثة برحمته ليست استغاثة للرحمة وإنما طلب للغوث برحمة الله من الله، فهو توسل بصفة الله لنيل غوث (إجابة) الله، وإلاّ فالغوث في اللغة لايتعدى بالباء، ولهذا كانت الاستاغثة برحمته أو استغاثته برحمته مشروعة وهي غير استغاثة الرحمة، وكلام الإمام عن الأولى وفقك الله.
وهذا الكلام قد ينسحب على الاستعاذة وقد لاينسحب، أما سحبه فلمن يقول الاستعاذة طلب عوذ من الرضا، فكأن من استعاذ قال يا رضا الله كن لي ملجأ من عقوبته، فمن قال هذا يقال له: فرق بين أن تقول أطلب العوذ بصفتك؛ مثال قول القائل: أو أعوذ بعزتك، أو أعوذ بوجهك، وبين أن تقول: أطلب العوذ من صفتك، أو أطلب عوذ صفتك. فالأول استعاذة بالصفة لتحصيل عوذ الله، فهي استعاذة بالله، وعَوذ مثل غوث يتعدى بنفسه، ولهذا كانت الصيغة الثانية (أطلب عوذ عزتك) طلب من الصفة ودعاء لها، وكلام شيخ الإسلام عن الأول.
ومثل هذا يقال في قوله: (أعوذ برضاك)، (أعوذ بمعافاتك)، (أعوذ بكلماتك التامة).
فهذا وجه في المسألة ووجه آخر، يبين صواب من قال أنا لا أنادي الصفة ولا أدعوها، وإنما ألتجؤ إلى ما جعله الله ملجأ صحيحاً، فهذا لا محظور فيه ويظهر ذلك لمن بان له الفرق بين ما يتضمنه معنى الاستعاذة، وما يتضمنه معنى الاستغاثة.
فالاستغاثة طلب إجابة كما قرر أهل العلم، والمغيث المستجيب (انظر الرد على البكري 419 - 420)، فهذه تطلب ممن تكون الإجابة له، بخلاف الاستعاذة فإنها تكون بما يحصل به العوذ وقد يجعل الله أسباباً شرعية تكون ملجأ ومعاذاً، ومنها كلماته التامة، فقد جعلها الله ملجأ ومعاذاً من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ومنها رضاه فقد جعله الله ملجأ ومعاذا من سخطه، ومنها معافاته فقد جعلها الله ملجأ ومعاذا من عقوبته، فما ثبت أنه الله جعله ملجأ ومعاذاً صح الالتجاء إليه أو العوذ به.
ولكنه سبحانه لم يجعل غيره مستجيباً ومغيثاً إلاّ بالشروط المعروفة تسوغ الاستغاثة بالبشر كما في قوله (فاستغاثه الذي من شيعته).
وإنما استدل أهل السنة بقوله صلى الله عليه وسلم: (اعوذ بكلماتك) على عدم خلق القرآن، لأن الاستعاذة بالمخلوق محرمة، سواء كانت طلب عوذ المخلوق الذي لم يجعله الله سبباً للعوذ، أو كانت طلب العوذ بواسطة المخلوق من الخالق، على الأصل الذي قرره شيخ الإسلام كثيراً في مسألة التوسل بالمخلوق، فإذا كان التوسل بالمخلوق –لا دعاؤه- محرم إلاّ ما استثناه الشرع كالعمل الصالح، وتوسل هنا في طلب العوذ بكلمات الله دل ذلك على أنها غير مخلوقة.
وأما القسم بصفات الله الذاتية أو الفعلية فمسألة لأهل العلم فيها تفصيل معروف، (وقد سبقت مشاركات في هذا المنتدى المبارك حول هذا الموضوع وقد أدليت بما ظهر في بعضها)، وليست هي من باب دعاء الصفة أو الاستغاثة بها.
والفرق بين القسم أو الحلف والدعاء، هو أن القسم لا يستلزم أن يكون المقسم به قائماً بذاته مجيباً، منفكاً عن ذات المضاف إليه، لا في عرف الناس ولا وضع اللغة ولاشرع، بينما النداء أو الطلب يكون من حيث الأصل لمن يسمع ويجيب. فضلاً عن الدعاء الذي لايجوز إلاّ لمن يسمع ويجيب، فضلاص عن الاستغاثة التي هي طلب الاستجابة.
ولهذا فإن الإجماع الذي نقله شيخ الإسلام في الرد على البكري إجماع دقيق من إمام يعي ما يقول (بالمناسبة الرد على البكري هو رد على رده على الفتوى التي استللت منها هذا النص فهو يوضح هذا ويجليه)، ونصه: " وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين".
هذا ما عن لي سطره على عجل، ومنه يتبين أن الاستغاثة بصفات الله من جملة دعائه المجمع على منعه بين أهل العلم، أما الاستعاذة فقد تكون من بابه إذا قصد بها طلب العوذ من نفس الصفة، وقد لاتكون من بابه إذا لجأ فيها إلى ما جعله الله ملجأ، وأما القسم فبين أنه باب آخر.
فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله المستعان، هو أعلم وعليه الجهد والتكلان.
¥