وكان مضطرب الشخصية يسير مع هوى نفسه وطمعها، فلما لم يهدِ له النصارى طعاماً في عيدهم عيد المسيح هجاهم ومدح اليهود نكاية فيهم فقال:
يهود بلبيس كلَّ عيدٍ
أفضل عندي من النصارى
أما ترى البغل وهو بغلٌ
في فضله يفضل الحمارا ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn10))
فلما هدَّده النصارى تراجع ومدحهم وذم اليهود فقال:
ما للنصارى إليَّ ذنبٌ
وإنما الذنب لليهود
وكيف تفضيلهم وفيهم
سرُّ الخنازير والقرود ([11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn11)).
أما مدحه لسلاطين زمانه مستجدياً ما عندهم، فحدِّث ولا حرج، وديوانه مليءٌ بذلك ([12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn12)) ولا تخلو كثيرٌ من قصائده من الغلو في الممدوح، وإليك نزراً يسيراً منها:
فمن ذلك قوله يمدح الوزير زين الدين الصاحبي بقوله:
أهل التقى والعلم أهل السؤددِ
فأخو السيادة أحمد بن محمدِ
الصاحب بن الصاحب بن الصاحب الـ
ـحبر الهمام السَّيِّدِ بن السَّيِّدِ
لا تشركن به امرأً في وصفه
فتكون قد خالفت كلَّ موحدِ ([13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn13)).
ويقول مادحاً الصاحب بهاء الدين ويطلبه حمارةً، ويذم آخرَ مقرباً من الصاحب حسداً له:
صاحبٌ لا يزال بالجود والأفضال
طلق اليدين حلو العبارة
كم هدانا من فضله بكتاب
معجز من علومه بأثارة
إنما يذكر العطية من
كا نت عطاياه تارة بعد تارة
سيدي أنت نصرتي كلما
شن علي الزمان بالفقر غارة!
شابَ رأس وما رأست كأني
زامر الحي أو صغير الحارة
وابن عمران وهو شرُّ متاع
للورى في بطانة وظهارة
حسَّن القربُ منكم قبحَ ذكراه
كتحسين المسكِ ذكر الفارة
فهو في المدح قطرةٌ من سحابي
وهو في الهجو من زنادي شرارة
ما له ميزةٌ عليَّ سوى أنَّ
له بغلة وما لي حمارة ([14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn14)).
ويمدحه مرة أخرى ويشكو له حاله فيقول:
يا أيها المولى الوزير الذي
أيامه طائعة أمره!
ومن له منزلة في العلا
تكلُّ عن أوصافها الفكرة
أخلاقك الغرُّ دعتنا إلى الـ
إدلاء في القول على غرة
إليك نشكو حالنا إننا
عائلة في غاية الكثرة
صاموا مع الناس ولكنهم
كانوا لمن يبصرهم عبرة
فارحمهمُ إن أبصروا كعكةً
في يد طفلٍ أو رأوا تمرة
تشخص أبصارُهم نحوها
بشهقةٍ تتبعها زفرة
والبوصيري اشتهر عنه شعره في المدائح النبوية وهو من أرقى الشعر وأجوده لولا غلوٌ فيه، ومن قرأ قصائده كما في البردة الميمية والقصيدة الهمزية وبقية قصائده في ديوانه ظهر له اطراد الرجل في غلوِّه، وأبياته المجملة المحتملة لأكثر من معنى في قصيدةٍ، تفسرها أبياتٌ أخرى في قصيدة أخرى فلا مجال لتبرئته منه، وهاكم بعض الأمثلة:
قوله في البردة:
فإنَّ من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلمِ ([15] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn15))
يؤيده البيت الخامس من الهمزية:
لك ذات العلوم من عالم الغيـ
ـــب ومنها لآدم الأسماءُ
لذلك قال الهيتمي في شرح هذا البيت:
(إن آدم لم يحصل له من العلوم إلا مجرد العلم من أسمائها، وأن الحاصل لنبينا هو العلم بحقائقها، ومسمياتها، ولا ريب أن العلم بهذا أعلى وأجل، من العلم بمجرد أسمائها، لأنها إنما يؤتى بها لتبيين المسميات فهي المقصودة بالذات، وتلك بالوسيلة، وشتان ما بينهما، ونظير ذلك أن المقصود من خلق آدم إنما هو خلق نبينا صلى الله عليه وسلم من صلبه فهو المقصود بطريق الذات، وآدم بطريق الوسيلة. ومن ثم قال بعض المحققين: إنما سجد الملائكة لأجل نور محمد صلى الله عليه وسلم الذي في جبينه.) ([16] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn16))
والبوصيري كغيره من غلاة الصوفية الذين يعتقدون أن الدنيا بمن فيها لم تخلق إلا من أجل محمد صلى الله عليه وسلم، ونور محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ذكره في البردة وغيرها. قال في البردة:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ منْ
لولاه لم تخرجِ الدنيا من العدمِ
¥