101. الحديث يدل على عدم صحة الصلاة من قعود لأنه علق الصلاة من قعود على عدم استطاعة القيام فدل على أن القائم لا تصح منه الصلاة قائماً, وحديث (صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم) يدل على أن الصلاة صحيحة من قعود وإن كان مستطيعاً القيام لكن ليس له من الأجر إلا النصف, وثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي من قعود كما في الركعتين اللتين بعد الوتر, وإذا أراد إطالة القيام قرأ وهو جالس ثم قام فركع, فدل على صحة صلاة القاعد لكن أجره على النصف, فكيف الجمع؟ يقال: لزوم القيام وكونه ركن من أركان الصلاة إنما هو في الفريضة دون النافلة, وصحة الصلاة من القاعد على النصف محمول على النفل.
102. الحديث الأول بعمومه يشمل النفل والفرض, والحديث الثاني بعمومه يشمل الفرض والنفل, لكن سبب ورود الحديث الثاني - وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل المسجد والمدينة محمة فوجدهم يصلون من قعود فقال (صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم) فتجشم الناس الصلاة قياماً - يدل على أنهم كانوا يصلون نافلة لأنهم لا يصلون الفريضة قبل حضوره عليه الصلاة والسلام ويأتمون به, والحديث الثاني محمول على مستطيع القيام لأنهم حينما تجشموا القيام قاموا, فدل على أنهم كانوا مستطيعين القيام, أما الذي لا يستطيع القيام فأجره كامل سواء كان في الفريضة أو في النافلة, فسبب الورود يدل على أن الحديث الثاني في النافلة لمستطيع القيام, فالصارف والمخصص للحديث الثاني هو سبب الورود, والمقرر عند أهل العلم أن العبرة بعموم لا بخصوص السبب, بل نقلوا على ذلك الإجماع وإن خالف نفر يسير من أهل العلم, لكن كيف لجأنا إلى السبب وخصصنا الحديث به؟ الجواب: لدفع التعارض الظاهر بين الحديثين, وأهل العلم يسلكون مثل هذا كثيراً من أجل دفع التعارض بين النصوص.
103. قوله (فإن لم تستطع فقاعداً): من أركان الصلاة ما يؤدى حال القيام ومنها ما يؤدى حال القعود, وبعض الناس يستطيع القعود ولا يستطيع القيام, وبعض الناس بالعكس يستطيع أن يصلي قائماً ولا يستطيع أن يصلي قاعداً, فهذا في موضع القيام يقوم لأنه مستطيع للقيام, وفي موضع القعود يصلي على جنب لأنه غير مستطيع للقعود, والبديل عن القعود هو الصلاة على الجنب.
104. كيفية القعود: القعود يشمل جميع الهيئات الافتراش والتورك والتربع, ولذا يجوز عند أهل العلم لمن لا يستطيع القيام أن يفترش وأن يتورك وأن يتربع, لكن يختلفون في الأفضل, والأكثر على أنه يتربع في القعود البديل عن القيام.
105. قوله (فإن لم تستطع فعلى جنب): إذا لم يستطع القيام ولا القعود فإنه يصلي على جنبه الأيمن, وإذا لم يستطع الصلاة على جنبه الأيمن وكان جنبه الأيسر سليماً وظهره سليماً قالوا إنه يصلي مستلقياً ورجلاه إلى القبلة بحيث يرفع الرأس ويستقبل به القبلة.
106. إن لم يستطع الصلاة لا من قيام ولا من قعود ولا مضطجعاً: من أهل العلم من يقول تسقط عنه الصلاة وما وراء الاضطجاع غير مشروع, ومنهم من يقول يومئ إيماءً, فإن استطاع أن يومئ برأسه أومأ برأسه وإلا فببصره أو ما يمكنه الإيماء به, ومنهم من يقول يُمِرُّ القرآن والأذكار على لسانه وقلبه ويسقط عنه ما عدا ذلك مما لا يستطيعه.
107. مقتضى عموم قوله عليه الصلاة والسلام (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أن الصلاة لا تسقط ما دام مناط التكليف وهو العقل موجوداً, فيأتي منها بما يستطيع ولو لم يستطع القيام ولا القعود ولا الاستلقاء ولا على جنب ولا الإيماء أيضاً, فيأتي بما يستطيعه من قراءة وذكر ولو كان ذلك بإمرار القراءة على القلب.
108. الأقوال المرتبطة بأفعال غير مستطاعة (تكبيرات الانتقال وهو مستطيع للتكبير مع أنه لا ينتقل من حال إلى حال): هذه التكبيرات تابعة فتسقط, وهناك قاعدة (من عجز عن بعض العبادة واستطاع القيام ببعض المأمور به وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما يستطيع إن كان المستطاع عبادة, أما إذا كان المستطاع إنما جيء به تبعاً لعبادة فإنه لا يؤتى به لأنه لا يراد لذاته, لكنه إذا تطلبته العبادة رتب عليه الأجر).
109. إمرار الموس على رأس الأصلع في النسك لا يشرع لأنه ليس مقصوداً لذاته بل هو لإزالة الشعر.
¥