تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عاهدهم عليه عندما قال: ألست بربكم؟ فقالوا: بلى. (ووعدك) الوعد الذي وعد على ذلك، ووعد الله لعباده هو أن حق العباد على الله أن يدخلهم الجنة إذا آمنوا به واتبعوا أوامره واجتنبوا نواهيه، فهذا هو وعده. (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت)، فيجدد الإنسان هذا العهد، ويتذكر من مضى ومن أتى في القرون السابقة، وأن جميع الأنبياء قد حجوا هذا البيت من لدن إبراهيم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما ذكرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مرتين، فعندما مر بفج الروحاء استقبل وادياً فسأل عن اسمه فقيل: الأبيض. فقال: (لكأني بيونس بن متى يهبط بطن هذا الوادي له عجيج بالتلبية)، ثم لما مر بثنية (هرشا) سأل عن اسمها فعرف بها، فقال: (لكأني بموسى بن عمران يهبط بطن هذا الوادي له عجيج بالتلبية على ناقة له حمراء خطامها من ليف).

من حكم الحج تذكر يوم القيامة

وكذلك من حكم الحج الواضحة تذكر يوم القيامة، فمشاهد يوم القيامة يشاهدها الإنسان في الحج، فيرى الناس يحشرون من مشارق الأرض ومغاربها ويجتمعون في هذه البقاع الضيقة، ويراهم يزدحمون هذا الازدحام الشديد، ويعلم أن منهم من يقبل حجه ومن يرد عليه، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن العبد إذا كان زاده من حلال وراحلته من حلال وجاء بقلب سليم فنادى: (لبيك اللهم لبيك) ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، حجك مبرور وسعيك مشكور وذنبك مغفور، زادك حلال وراحلتك حلال، وإذا كان على خلاف ذلك فنادى: (لبيك اللهم لبيك) ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، حجك غير مبرور وسعيك غير مشكور وذنبك غير مغفور. ويرد عليه عمل). ومن هنا فإن الناس في منصرفهم إلى الحج ما بين اثنين: أحدهما: من غفر له ما تقدم من ذنبه وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وهو من حج فلم يرفث ولم يفسق. وثانيهما: من أتعب جسمه وأنفق ماله وأفسد وقته وعاد شراً مما كان، نسأل الله السلامة والعافية، فمن هنا يتذكر الإنسان حال الناس يوم القيامة وحشرهم.

الحج وتقوية الروابط بين المسلمين

والركن الخامس والدعيمة الخامسة من هذه الدعائم هي حج بيت الله العظيم. وهذا البيت هو منطلق حضارة البشرية، فهو أول بيت وضع للناس، وقد شرع الله تعالى لعباده المؤمنين أن يقصدوه من مشارق الأرض ومغاربها ومن كل فج عميق، ورتب على ذلك الأجر الكثير، ورتب عليه صلاح أمورهم، فإن المسلمين علم الله أنهم سينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، وقد شرع لهم الأخوة فيما بينهم، ولا يمكن أن تتأكد هذه الأخوة وتوصل هذه الروابط إلا أن يجعل لهم مؤتمر سنوي يجتمعون فيه، وقد جعل الله تعالى هذا المؤتمر السنوي الموسم، فيجتمع المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها في الحج، فيأتي فيه أغنياؤهم وفقراؤهم، وضعافهم وأقوياؤهم، وكبارهم وصغارهم، والناطقون منهم باللغات المختلفة، وذوو الألوان المختلفة، يقصدون مكان واحداً ويؤدون شعائر موحدةً ويلبسون زياً موحداً، وبذلك يحققون أخوتهم ويزيلون الفوارق بينهم. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بعض الحج فقال صلى الله عليه سلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين في الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، فهذه العبادات بخصوصها معينة على إقامة ذكر الله؛ لأن الإنسان مجبول على السعي لما فيه نفع دنيوي مادي. والحج أموره تعبدية محضة لا يعرف الإنسان عللها، فلذلك إذا فعلها عن قناعة فلا يفعلها إلا تعبداً لله؛ لأن الله شرعها، ولذلك قال عمر رضي الله عنه عندما قبل الحجر: (أما إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). فهنا يتجرد الإنسان من طلب التعليل، ويتجرد من التعليلات العقلية، ويعلم أنه ما يفعل هذا الفعل إلا تعبداً لله تعالى تعبداً محضاً، فلا يمكن أن يعلل رمي الجمار بهذه الحجار، ولا أن يعلل الطواف بهذه الكعبة سبعاً، ولا السعي بين الصفا والمروة، فهذه أمور لا تقبل التعليل وإنما أقيمت لذكر الله سبحانه وتعالى، فحكمتها هي إقامة ذكر الله كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=audioinfo&audioid=124884

ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[03 - 11 - 10, 06:52 م]ـ

يُرفع

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير