[متى لا يفتي ابن عثيمين؟]
ـ[رأفت الحامد العدني]ــــــــ[13 - 11 - 08, 12:32 م]ـ
[متى لا يفتي ابن عثيمين؟]
فصلٌ: فيما لا يُفتَى به! لأبي عبدالله النجدي
جرى الفقهاء ـ رحمهم الله ـ على أنْ لا تلازُم بين الراجح وبين المُفتَى به، فيمكن أن يرجحوا قولاً لكنْ لا يُفتُون به، كما أنهم قد يُفتون بغير المرجَّح فقهاً، أي بحسب الصناعة الفقهية، وهذا ضربٌ من السياسة الشرعيّة.
وهم حين يُفتون بالمرجوح لا لأنهم يفضِّلون ضعاف الأقاويل، ويرفعون بها رأساً، كلا؛ بل لما للأحوال عندهم من اقتضاءات، وللظروف من ملابسات، على حدِّ قول ابن الرومي:
ما كلُّ مثلومِ الكلامِ بساقطٍ. . . قد يُقتنى سيفٌ وفيه تفلُّلُ
ويُنظر قول صاحب المراقي: " وذِكرُ ما ضعف ليس للعمل ... الخ".
ومن أتيحت له مجالسة الكبار من أهل العلم علِمَ أنهم يُباحثون في مجالسهم الخاصة، ما لا يفصحون به في الدروس العامة، وهذه من هاتِه.
على أن ذلك خلاف الأصل، إذ القاعدة عند أهل السنة أن " لا سِرَّ في الدين عند أحدٍ " كما عبر أبو محمد ابن حزم في فاتحة المحلى، وبالأخصِّ فيما يتعلق بالحلال والحرام.
وينظر أيضاً تعليق الذهبي على أثر " رُبَّ كيسٍ عند أبي هريرة لم يفتحه، يعني من العلم " السير (2/ 597).
فأما من فعل ذلك اتباعاً للهوى، فطوى بعض الفتاوي رغباً أو رهَباً فقد ركِبَ الصعبةَ، وأورد نفسه موارِد العطَب ـ عياذاً بالله تعالى ـ، قال الشاطبي: " صار كثير من مقلدة الفقهاء يفتى قريبه أو صديقه بما لا يفتى به غيره من الأقوال اتباعا لغرضه وشهوته أو لغرض ذلك القريب وذلك الصديق، ولقد وجد هذا في الأزمنة السالفة فضلا عن زماننا "اهـ الموافقات (4/ 134)، وما بعدها من الصفحات مهم فلينظر.
وحاديهم إلى سلوك هذا النهج أسبابٌ: منها:
أ ـ فسادُ الناس، فإنهم إذا فسدوا كان استصلاحهم بشيءٍ من الحزم مطلوباً.
ب ـ أنسهم بالقول المعروف المشهور، ونفرتهم من الشاذ المنكور، ولو انتهضَ له دليلٌ، والحالُ أنه معارَضٌ بمثله، غير أن المشهور أحب إليهم ما قامت عليه الأدلة، واستطرقته الفقهاء، وجرى به العمل، فإن الراسخين لا يهتمون بالأقاويل الصارخة، ولا يحتفلون بالألفاظ الهائلة، اللاتي يستوحش منها أوساطُ أهل الإسلام [انظر للفائدة: مقدمة ابن قتيبة لأدب الكاتب].
وفي البخاري عن عليٍّ رضي الله عنه بهذا المعنى: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله.
ج ـ ضبط العوام [انظر: السير؛ للذهبي (8/ 93،94)].
فإن العوام لا يُبَثُّ إليهم إلا ما يستصلحهم، ولا يتاح لهم المضنون به على غير أهله، ومن تبسَّطَ إليهم في كل شيءٍ كان مستهجناً عند أهل العلم، ولما لقي رؤبةُ النسَّابةَ البكري قال له هذا الأخير: " إن للعلم آفةً ونكَداً وهجنة، فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه، وهجنته نشره عند غير أهله " [الجليس؛ للجريري (3/ 63)].فما بالك بمن ينشر الأقوال الشاذة في الصحف والمجلات السيارة. اهـ بنصه
قال العثيمين رحمه الله تعالى:
وهذا ينبغي للإنسان طالب العلم أن يكون له نظرة بعيد ة وأن لا يزن الأمور بالحاضر، بمعنى أن لا يُفتي في شيء يكون يترتب عليه أشياء ضارة حتى وإن كانت تظهر في الوقت الحاضر لكن في المستقبل. شرح أحاديث الحج من صحيح البخاري (4/ 461)
لا يفتي ابن عثيمين سداً للذريعة،ودرأً للفتنة:
قال رحمه الله تعالى: لا شك أن النقاب كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، و أن النساء كن يفعلنه كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة إذا أحرمت (لا تنتقب) فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب، ولكن في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه، لأنه ذريعة إلي التوسع فيما لا يجوز، وهذا أمر مشاهد. ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب في أوقاتنا هذه، بل نرى أنه يمنع منعا باتا، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وألا تنتقب، لأن ذلك يفتح باب الشر لا يمكن إغلاقه فيما بعد. مجموع مؤلفات العثيمين – مجموعة أسئلة تهم المرأة (7/ 463)
وفي لقاءات الباب المفتوح [14] شهر جمادى الآخرة سنة (1413هـ) يوم الخميس التاسع من هذا الشهر، قال: لا نفتي بجوازه؛ لأنه فتنة.
¥