والصواب أنها تجزئ، ولكن كلما كانت أكمل كانت أفضل؛ ووجه إجزائها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل ماذا يتقى من الضحايا، فقال: «أربع وأشار بيده» (1)، وليست الهتماء من الأربع، ولا بمعنى واحدة منها.
وقوله: «والجداء»، أي: لا تجزئ أيضاً، والجداء هي التي نشف ضرعها، أي: مع الكبر صار لا يدر، فضرعها ناشف، حتى وإن كان الضرع باقياً بحجمه لم يضمر فإنها لا تجزئ، ولكن هذا القول مرجوح أيضاً؛ لأنه لا دليل على منع التضحية بها، وإذا لم يكن على ذلك دليل فالأصل الإجزاء، ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أنها تجزئ.
وقوله: «والمريضة»، أي: لا تجزئ، ولكن هذا الإطلاق مقيد بما إذا كان المرض بيناً، وبيان المرض إما بآثاره، وإما بحاله.
أما آثاره فأن تظهر على البهيمة آثار المرض من الخمول والتعب السريع، وقلة شهوة الأكل، وما أشبه ذلك.
وأما الحال فأن يكون المرض من الأمراض البينة كالطاعون وشبهه، وإن كانت نشيطة، فإنها لا تجزئ، ولهذا قال علماء الحنابلة: إن الجرب مرض، مع أن الجرب لا يؤثر تأثيراً بيناً على البهيمة ولا سيما إذا كان يسيراً، لكنهم قالوا: إنه مرض بين، ثم إنه مفسد للحم فلا تجزئ.
وعدم إجزاء المريضة للنص والمعنى:
فالنص قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «المريضة البين مرضها».
والمعنى لأن لحم المريضة يخشى على الإنسان من أكله أن يتأثر به.
وأما المبشومة، وذلك أن بعض الغنم إذا أكل التمر انبشم، أي: انتفخ بطنه، ولم تخرج منه الريح، ولا يُعلم أنه سَلِمَ من الموت إلا إذا ثلط، أي: إذا تبرز، ولهذا نقول: المبشومة مرضها بيِّن ما لم تثلط ...
وقوله: «والعضباء»، هي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها طولاً أو عرضاً فإنها لا تجزئ (2)؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «نهى عن أعضب الأذن والقرن» (أخرجه أحمد (1/ 101، 127، 129)؛ وأبو داود في الضحايا/ باب ما يكره من الضحايا (2805)؛ والنسائي في الضحايا/ باب العضباء (7/ 217)؛ والترمذي في الأضاحي/ باب في الضحية بعضباء القرن والأذن (1504)؛ وابن ماجه في الأضاحي/ باب ما يكره أن يضحى به (3145)؛ وابن خزيمة (2913)؛ والحاكم (4/ 224) عن علي ـ رضي الله عنه ـ. وفيه جري بن كليب، قال أبو حاتم: لا يحتج به».)، والنهي يقتضي الفساد وعدم الإجزاء، فإذا ضحى بعضباء الأذن أو القرن فإنها لا تجزئ.
وقال بعض العلماء: إنها تجزئ لكنها مكروهة، وهذا القول هو الصحيح؛ لأن في صحة الحديث نظراً، والأصل عدم المنع حتى يقوم دليل على ذلك، إلا أنها تكره؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أمر أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بالمقابَلة، ولا المدابَرة، ولا الخرقاء» أخرجه أحمد (1/ 108)؛ وأبو داود في الضحايا/ باب ما يكره من الضحايا (2804)؛ والترمذي في الأضاحي/ باب ما يكره من الأضاحي (1498)؛ والنسائي في الضحايا/ باب الخرقاء وهي التي تخرق أذنها (7/ 217)؛ وابن ماجه في الأضاحي/ باب ما يكره أن يضحى به (3142) (3143)؛ والحاكم (4/ 224)، عن علي ـ رضي الله عنه ـ.
وقال الترمذي: «حسن صحيح»، وصححه الحاكم. (قلت: وصححه الشيخ الألباني رحمه الله)
.....
وعلى كل حال ينبغي أن نقسم العيوب إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما دلت السنة على عدم إجزائه، وهي أربع: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضَلَعها، والعجفاء التي لا تنقي، فهذه منصوص على عدم إجزائها، عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده فقال أربعا العرجاء والبين ظلعها والعرواء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي. رواه مالك وأحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي.
ويقاس عليها ما كان مثلها أو أولى منها، أما ما كان مثلها فإنه يقاس عليها قياس مساواة، وأما ما كان أولى منها فيقاس عليها قياس أولوية.
الثاني: ما ورد النهي عنه دون عدم الإجزاء، وهو ما في أذنه أو قرنه عيب من خرق، أو شق طولاً أو شق عرضاً، أو قطع يسير دون النصف، فهذه ورد النهي عنها في حديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه (1) ـ، ولكن هذا النهي يحمل على الكراهة؛ لوجود الحديث الحاصر لعدم المجزئ بأربعة أصناف.
الثالث: عيوب لم يرد النهي عنها، ولكنها تنافي كمال السلامة، فهذه لا أثر لها، ولا تكره التضحية بها ولا تحرم، وإن كانت قد تعد عند الناس عيباً، مثل العوراء التي عورها غير بيِّن، ومثل مكسورة السن في غير الثنايا وما أشبه ذلك، ومثل العرجاء عرجاً يسيراً، فهذه عيوب لكنها لا تمنع الإجزاء، ولا توجب الكراهة لعدم وجود الدليل، والأصل البراءة.
راجع بقية كلام الشيخ في (الشرح الممتع:7/ 429 وما بعدها)
ـ[ميسرة الغريب]ــــــــ[26 - 11 - 08, 06:54 م]ـ
الثاني: ما ورد النهي عنه دون عدم الإجزاء، وهو ما في أذنه أو قرنه عيب من خرق، أو شق طولاً أو شق عرضاً، أو قطع يسير دون النصف،
هل هذا ينطبق على الحالة التي ذكرتها فيها السؤال .. ؟
بارك لله فيكم
¥