تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم توقف - رحمه الله - عن هذا العمل بنهاية المجلد الثالث؛ لانشغال سماحته بالأعمال العلمية والدعوية والقيادية والوظيفية الكثيرة جدًّا، حتى يسر الله إكمال عمله بالتعليق على المؤاخذات العقدية خصوصًا، من العبد الفقير كانت هذه الصفحات بإشارة الشيخ ابن باز ومراجعته، وقراءته وإشرافه، حتى تم العمل على سوقه وتمامه قبل وفاته - رحمه الله - بأشهر يسيرة (17).

ولعلَّ ظانًّا يظن أن تعليقات الشيخ ابن باز على "فتح الباري"، كانت في العقيدة فقط! وهذا خطأ ووهم؛ بل أكثرُ التعليقات كانت في التنبيه على مخالفات في العقيدة، ولكن كثيرًا أيضًا ما تناول المباحث الحديثية من ناحية فقه الحديث، وعلله، والصناعة الحديثية، وتوثيق الكتاب على أصوله الخطية، والتنبيه على المسائل الفقهية والتاريخية، ما يلحظه القارئ المنصف لهاتيكم التعليقات.

وسأسوق مدلِّلاً على ذلك، نماذجَ من تعليقات سماحة شيخنا على "فتح الباري"، تدل على ما ذكرته من ذلكم التنوع.

1 - ففي مسألة أول واجب على المكلف، علَّق سماحته على نقل عن إمام الحرمين نقله الحافظ في "الفتح"، فقال: "الصواب ما ذكره المحققون من أن أول واجب، هو شهادة أن لا إله إلا الله علمًا وعملاً، وهي أول شيء دعا إليه الرسل، وسيدهم وإمامهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أول شيء دعا إليه أنْ قال لقومه: ((قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا) ولما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله))، ولأن التوحيد شرط لصحة جميع العبادات، كما يدل عليه قوله – تعالى -: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (18) " (19).

2 - وفي معرض التنبيه على غلط المعطِّلة المؤوِّلة لصفة العلو، قال سماحته - رحمه الله -: "الصواب عند أهل السنة وصف الله – سبحانه - بأنه في جهة العلو، وأنه فوق العرش، كما دلتْ على ذلك نصوص الكتاب والسنة، ويجوز عند أهل السنة السؤالُ عنه بأين، كما في "صحيح مسلم" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للجارية: ((أين الله؟) قالت: في السماء ... الحديث". ا. هـ (20).

ثم علَّق الشيخ ابن باز رادًّا على الأشاعرة وأمثالهم في مسألة التحسين والتقبيح العقليين، فقال: "هذا هو قول بعض أهل السنة، وذهب بعض المحققين منهم إلى أن العقل يحسن ويقبح؛ لما فطر الله عليه العباد من معرفة الحسن والقبيح، وقد جاءت الشرائع الإلهية تأمُر بالحسن، وتنهى عن القبيح، ولكن لا يترتب الثواب والعقاب على ذلك إلا بعد بلوغ الشرع، كما حقق ذلك العلامة ابن القيم - رحمه الله - في "مفتاح دار السعادة"، وهذا هو الصواب - والله أعلم". ا. هـ (21).

3 - وعلق الشيخ في مسألة التنبيه على التبرُّك بآثار الصالحين، فقال: "هذا خطأ، والصواب ما تقدم في حاشية (ص677)، وغيرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُقاس عليه في مثل هذا، والحق أن عمر - رضي الله عنه - أراد بالنهي عن تتبُّع آثار الأنبياء سدَّ الذريعةِ إلى الشِّرك، وهو أعلم بهذا الشأن من ابنه - رضي الله عنهما - وقد أخذ الجمهور مما رآه عمر، وليس في قصة عتبان ما يخالف ذلك؛ لأن في حديث عتبان قد قصد أن يتأسى به - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، بخلاف آثاره في الطرق ونحوها، فإن التأسي به فيها وتتبعها لذلك، غير مشروع، كما دل عليه فعل عمر، وربما أفضى ذلك من فعله إلى الغلو والشرك، كما فعل أهل الكتاب - والله أعلم". ا. هـ (22).

4 - ومن تعليقات سماحة الشيخ الفقهية، وأثر الحديث عليها، وضبطه للنسخ، في قوله في تعقب القول بنجاسة أبوال الإبل وما يؤكل لحمه، حيث قال - رحمه الله -: "هذا ليس بجيد، والصواب طهارة أبوال الإبل ونحوها مما يؤكل لحمه، كما يأتي دليله في حديث العرنيين، و (أل) في قوله - عليه السلام -: ((استنزهوا من البول)) للعهد، والمعهود بينهم بول الناس، كما قاله البخاري، وكما يدل عليه حديث القبرين، وأثر أبي موسى المذكور - والله أعلم". ا. هـ (23).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير