تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان لعلماء الدعوة الإصلاحية وأئمتها من هذا الفن نصيبٌ؛ فهذا حفيد إمام الدعوة الإصلاحية السلفية، الشيخ المحدث سليمان بن عبدالله بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب 1233هـ، له العناية الفائقة بالحديث، والمعرفة المتحققة برجاله، حتى إنه ليعرف رجال الحديث ورواته، أشد من معرفته لرجال الدرعية!

وكذا اعتنى سماحة شيخنا ابن باز برواة الحديث ورجاله في معرفتهم في أسمائهم وأعيانهم وأنسابهم، وشيوخهم وطلابهم، وعدالتهم وضبطهم، وكان لرجال "التقريب" من هؤلاء بالخصوص النصيب الظاهر، والحظ الوافر.

وذلك لما لكتاب "تقريب التهذيب" (33)، للحافظ ابن حجر من الحفاوة والمكانة اللائقة به عند أهل العلم؛ حيث حرر فيه الحافظ الناقد الشهاب أحمد بن علي بن حجر أحكامَ علماء الجرح والتعديل في رواة الكتب الستة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

فلخّص فيه أسماء الرواة في أسانيد تلكم المدونات العظيمة لحديث نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وأنسابهم، وطبقاتهم، ومراتبهم، وأحوالهم، تعديلاً وضبطًا وتجريحًا.

ولشدة عناية الشيخ ابن باز بهذا السفر الجليل "التقريب" وحفاوته به؛ استظهر رجاله وأحوالهم في الغالب الأعم، وكان "التقريب" حاضرًا في دروسه العلمية، ومجالسه البحثية؛ للمراجعة فيه، والتأكد من ضبط رواته، وأحوالهم.

وأسوق في هذا الصدد نماذجَ من بيان الشيخ - رحمه الله - لأحوال الرجال، وأثره على مروياتهم، اهتمامًا برجال الحديث ورواتهم.

فقال - رحمه الله - مبينًا حال ابن جدعان: "وفي إسناده أيضًا علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف عند جمهور من المحدثين، لا يحتج بحديثه، لو سلم الإسناد من غيره، فكيف وفي الإسناد من هو أضعف منه، وهو محمد بن الخطاب المذكور؟ أما توثيق ابن حبان له فلا يُعتمد عليه؛ لأنه معروفٌ بالتساهل، وقد خالفه غيره" (34).

- وقال - رحمه الله - في معرض التنبيه على أغلاط الصابوني في الصفات، على حديث: ((ثلاثة من أصول الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا نكفر مسلمًا بذنب، والإيمان بالأقدار))، قال - رحمه الله - متثبتًا ومعقبًا: "وبمراجعتنا لهذا الحديث في الأصول المعتبرة، اتضح أنه ضعيف جدًّا، وقد رمز له السيوطي في "الجامع" بعلامة الضعف، وأخرجه أبو داود من طريق يزيد بن أبي شيبة عن أنس - رضي الله عنه - ويزيد هذا مجهول كما في "التهذيب" و"التقريب" ... والأولى أن يقال في مثل هذا: "وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فينقل بصفة التمريض، كما نصَّ عليه أهل العلم في رواية الأحاديث الضعيفة" (35).

- وقال - رحمه الله - في معرض جواب على سؤال في الأذان، في حكم زيادة الرافضة لفظة (حي على خير العمل): "وعلي بن الحسين - رضي الله عنه - من جملة التابعين، فخبره هذا لو صرَّح فيه بالرفع، فهو في حكم المرسل، والمرسل ليس بحجة عند جماهير أهل العلم، كما نقل ذلك عنهم أبو عمر بن عبدالبر في كتاب "التمهيد"، هذا لو لم يوجد في السنن الصحيحة ما يخالفه، فكيف وقد وُجد في الأحاديث الصحيحة في صفة الأذان ما يدل على بطلان هذا المرسل وعدم اعتباره؟ والله الموفق". ا. هـ (36).

- وقال - رحمه الله - متعقبًا الحافظَ ابن حجر في كتابه "التقريب" في ترجمة حُدير الحضرمي: "قول الحافظ (صدوق) فيه تساهل، والصواب أنه ثقة، وإن وهم فمن الذي لا يهم؟ يعني: حُدير.

تعليقات الشيخ على "التقريب":

ولما كان ثمة رواة في "تقريب التهذيب"، اجتهد الحافظ فيهم وهم من الرواة المختلف فيهم عدالة وجرحًا وضبطًا، فقد تعقب الشيخ ابن باز الحافظ ابن حجر في جمع منهم، وأضاف إليهم فوائد ونكتًا، زادتهم تميزًا وبيانًا.

وقد استعرت من سماحة شيخنا عام 1419هـ في آخر حياته نسخه المطبوعة في مكتبته من كتاب "تقريب التهذيب وهي ثلاث نسخ:

1 - الطبعة الهندية في مجلد كبير.

2 - الطبعة المصرية بتحقيق/عبد الوهاب عبد اللطيف في مجلدين.

3 - الطبعة الجديدة في مجلد ضخم، بتحقيق محمد عوامة.

وكان لسماحة الشيخ تعليقات محررة على حواشي هذه الطبعات الثلاث لكتاب "التقريب" من أوائل السبعينيات من القرن الرابع عشر على مدى أكثر من أربعين سنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير