وقد صورتها، ورتبتها حسب حروف المعجم في أسماء الرواة؛ لأفيد منها عند مراجعة "التقريب" (37)، وفي الملحق في آخر هذا البحث نماذج مصورة من هاتيكم التعليقات.
ومنهج الشيخ في هذه التعليقات هو إحالة الباحث إلى "تهذيب التهذيب" أو أصله "تهذيب الكمال"؛ لمزيد تحرير حال الراوي، أو التنويه على من خالف الحافظ بتعديل الراوي، أو تجريحه، أو التدقيق على ضبطه.
وهذه العناية تدلنا على مظهر آخر، ينبغي أن يبرز في حفاوة الشيخ برجال الحديث، وكتب رواتهم.
المبحث السابع: عناية الشيخ ابن باز بالتصحيح والتضعيف:
إن من أولى عناية العلماء النقاد بالحديث النبوي الشريف، والعمل بالسنة الغراء - تمحيصَها وتحقيقها، ببيان صحيحها الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الضعيف أو المنحول عليه والمدخول على دينه وحديثه وسنته، وهذا الشأن هو اهتمام وهمة أهل الحديث في السابق واللاحق.
وكان لسماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز عناية بهذا المظهر من مظاهر الاهتمام بالحديث، حيث كان الشيخ ابن باز يتحرى صحة الأدلة النبوية التي يستدل بها في دروسه وفتاواه، ومحاضراته ومواعظه، وكتاباته ورسائله، ونجده - رحمه الله - يعتني بعزو الحديث إلى مصادره الأصلية من كتب السنة النبوية الأصلية، ومدوناتها الشهيرة؛ فإذا كان الحديث في الصحيحين أو السنن أو المسانيد، يعزوه إليها، كما نلحظه يعتني بالحكم على إسناد ما يستدل به.
ومن أمثلة ذلك ما تَكَرَّر سماعه منه - رحمه الله - في الدروس والمحاضرات واللقاءات، عند ذكر السائلين محبتهم للشيخ في ذات الله، يجيبهم بعبارته المشهورة عنه: "أحبَّك الله الذي أحببتنا له، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتحابين فيه؛ فقد روى الإمام مالك في "موطئه" بإسناد صحيح عن ابن عمر - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: قال الله - عز وجل -: ((وجبتْ محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين فيَّ))، نسأل الله التوفيق للجميع".
وهذه العناية بتصحيح الأحاديث المستدل بها، وتحسينها أو بيان ضعفها، يظهر جليًّا في فتاوى سماحته المكتوبة، والمجموع كثير منها ضمن "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ"، وأيضًا في كتبه ورسائله الشخصية، وأجوبته على أهل العلم في رسائله وكتبه ونحوهما.
ويظهر هذا أيضًا في رسالة جمعها شيخنا فيما صح عنده من جملة الأذكار والأوراد التي يُذكر الله - عز وجل - بها، وهي على اختصارها نافعة جدًّا، وقد سماها الشيخ "تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة من الأذكار"، وكان لسماحة شيخنا العناية الواضحة على مستوى العلماء ببيان تصحيح الحديث والضعيف؛ حيث اشتهر بذلك بين أهل العلم، والعبد الفقير في بحث مرحلة (الماجستير) أشكلت فيه عليَّ جملة من الألفاظ المنسوبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فجمعتها مخرجة موثقة لكل حديث في بطاقاته، بألفاظها والألفاظ المقاربة لها، وعرضتها قراءة على سماحته، فكان مُحصِّلة حكمه عليها أصلاً عولت عليه، وذلك كأن يقول: "لا أصل له"، أو "لا أعرف له أصلاً"، أو "هذا اللفظ لا أعرفه، وجاءت فيه أحاديث ضعيفة"، أو يقول: "هذا الحديث أصله في الصحيح من حديث فلان ... " (38).
ومن مظاهر ذلك عند سماحته - رحمه الله - أنه مقصد الناس وطلاب العلم والمشايخ في أسئلتهم عن صحة الأحاديث وضعفها، وثبوتها من عدمه؛ لما يعرفون ويلاحظون من عناية الشيخ بهذا الشأن.
- وأسوق في هذا المقام أمثلةً وشواهدَ من كلام ابن باز في "مجموع فتاوى ومقالات نافعة"، يبرزان هذا المنهج، وتلكم العناية في منحى التصحيح أو التحسين، ومنحى التضعيف والرد:
- ففي مقام التصحيح للحديث النبوي، قال - رحمه الله - في رسالته: "التعريف بالإسلام ومحاسنه": "وفي مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق))، ورواه الحافظ الخرائطي بإسناد جيد بلفظ: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) (39).
¥