- وفي رسالة "فضل الجهاد والمجاهدين"، قال سماحته: "وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مات مرابطًا في سبيل الله، أُجرِيَ عليه الصالح الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتَّان، وبعثه الله يوم القيامة آمنًا من الفزع الأكبر))؛ رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والطبراني في "الأوسط" أطول منه، وقال فيه: ((والمرابط إذا مات في رباطه، كُتب له أجر عمله إلى يوم القيامة، وغُدي عليه ورِيحَ برزقه، ويزوج سبعين حوراء، وقيل له: قف اشفع إلى أن يفرغ من الحساب))، وإسناده مقارب". ا. هـ (40).
- وفي مقام تضعيف ما ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وردِّه، أجاب سماحته عن سؤال ورده في الآخذ من اللحية، فقال ضمن جوابه: "أما حديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن كان يأخذ من لحيته من طوالها وعرضها"، فهو حديث باطل عند أهل العلم؛ لأن في إسناده رجلاً يُدعى عمر بن هارون البلخي، وهو متهم بالكذب، وقد انفرد بهذا الحديث دون غيره من رواة الأخبار، مع مخالفته للأحاديث الصحيحة، فعلم بذلك أنه باطل، لا يجوز التعويل عليه، ولا الاحتجاج به في مخالفة السنة الصحيحة، والله المستعان". ا هـ (41).
- وقال في محاضرة عن توحيد المرسلين، وما يضاده من الكفر والشرك، في الكلام على الأحاديث الناصَّة على عدد الأنبياء والرسل: "وجاء في حديث أبي ذر، عند أبي حاتم بن حبان وغيره، أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرسل وعن الأنبياء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفًا، والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر))، وفي رواية أبي أمامة: ((ثلاثمائة وخمسة عشر))، ولكنهما حديثان ضعيفان عند أهل العلم، ولهما شواهد ولكنها ضعيفة أيضًا كما ذكرنا آنفًا، وفي بعضها أنه قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ألف نبي فأكثر))، وفي بعضها: ((أن الأنبياء ثلاثة آلاف))، وجميع الأحاديث في هذا الباب ضعيفة؛ بل عدَّ ابن الجوزي حديث أبي ذر من الموضوعات.
والمقصود أنه ليس في عدد الأنبياء والرسل خبر يُعتمد عليه، فلا يعلم عددَهم إلا اللهُ - سبحانه وتعالى - لكنهم جم غفير". ا. هـ (42).
- وقال سماحته في مقال له: بأن القول بإباحة تحديد النسل مخالف للشريعة، والفطرة، ومصالح الأمة: "وأما ما يورده كثير من الناس على أن حديث: ((تزوجوا فقراء، يغنكم الله به))، فلا أصل له، ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف إلى الآن، وفي القرآن غنية عنه، وكذا الأحاديث التي أوردناها، ولله الحمد والمنة". ا. هـ (43).
- وقال في معرض ذكره الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم الأغاني وآلات اللهو: "وهذا الحديث - وهو ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من استمع إلى قينةٍ صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة))، وإن كان مداره على عبيدالله بن زخر، عن علي بن يزيد الألهاني، عن القاسم، فعبيدالله بن زخر ثقة، والقاسم ثقة، وعلي ضعيف، إلا أن للحديث شواهدَ ومتابعاتٍ، سنذكرها إن شاء الله تعالى". ا. ه (44).
- وقال - رحمه الله -: "وأما حديث ((الحجر الأسود يمين الله))، فهو حديث ضعيف، والصواب وقفه على ابن عباس - رضي الله عنه". ا. هـ (45).
هذا، وقد مضى في المباحث السابقة سوق جملة من تصحيحات سماحة الشيخ وتضعيفه لأحاديث كثيرة في العقيدة وغيرها، بما أغنى عن إعادته مرة أخرى، فراجعه مأجورًا.
المبحث الثامن: اهتمام سماحة الشيخ بالعمل بالحديث وترجيحه:
المحتفون بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته، يظهر عليهم آثار ذلك بشكل أو بآخر؛ لأنهم يتناقلون سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وينتسبون إليها، فهم أهل الحديث، كما قال الأول:
أَهْلُ الحَدِيثِ هُمُ أَهْلُ النَّبِيِّ وَإِنْ * * لَمْ يَصْحَبُوا نَفْسَهُ أَنْفَاسَهُ صَحِبُوا
وقد ظهرت عناية الشيخ ابن باز بالحديث النبوي، واهتمامه به، عملاً ودعوة وترجيحًا له، ظهورًا بارزًا، حتى اعتُبر سماحته باعثَ مدرسة أهل الحديث في هذا القرن المتقدم: القرن الرابع عشر.
¥