أمّا الرواية الأخرى ففيها التصريح بالنهي عن الدخول من باب النساء، والقاعدة في أصول الفقه: (أنّ النهي يقتضي التحريم) ([56] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn56))، لكنّ الرواية لم تصح بل ضعفها شديد، والقاعدة في أصول الفقه: (أنّ الحديث شديد الضعف لا يحتجُّ به في الأحكام) ([57] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn57)).
قال صاحب عون المعبود في شرحه: ((لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَاب): أَيْ بَاب الْمَسْجِد الَّذِي أَشَارَ النَّبِيّ r ( لِلنِّسَاءِ): لَكَانَ خَيْرًا وَأَحْسَن لِئَلَّا تَخْتَلِط النِّسَاء بِالرِّجَالِ فِي الدُّخُول وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد. وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل أَنَّ النِّسَاء لَا يَخْتَلِطْنَ فِي الْمَسَاجِد مَعَ الرِّجَال بَلْ يَعْتَزِلْنَ فِي جَانِب الْمَسْجِد وَيُصَلِّينَ هُنَاكَ بِالِاقْتِدَاءِ مَعَ الْإِمَام) ([58] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn58)).
فإن قيل: الاختلاط حاصل حال الخروج من المسجد قبل الوصول إلى الباب، فالرجل عند خروجه سيمرّ من وسط صفوف النساء.
فالجواب في الحديث التالي:
الحديث الخامس:
عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ) ([59] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn59)).
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزهري: (نَرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ.) ([60] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn60))
وجه الاستدلال: أنّ النساء كنّ يقمن عقب الصلاة مباشرة، بإقرار من النبي r وعلمه، مما يدلُّ على مشروعية ذلك، والقاعدة: (أنّ إقرار النبي r على الفعل كفعله r)([61] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn61))، ومع ثبوت الفضل في بقاء المصلي في مصلاه في قوله r: ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه مالم يحدث فيه تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه) ([62] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn62))، إلا أنهنّ كنّ يبادرن بالانصراف تجنبًا للاختلاط بالرجال، وهذا يدل على أنّ درء مفسدة الاختلاط مقدّمة على نافلة البقاء في المصلّى لتحصيل الفضل المذكور.
قال مقيّدُه – عفا الله عنه-: وقد فهِمَ العلماء من المذاهب الأربعة من هذا الحديث هذا المعنى مع اختلاف عصورهم ومذاهبهم.
فقد بوّب البيهقي "الشافعي" في السنن الكبرى على هذا الحديث بقوله: (باب مكث الإمام في مكانه إذا كانت معه نساء كي ينصرفن قبل الرجل) ([63] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn63)).
وقال بدر الدين العيني "الحنفي" في شرحه هذا الحديث: (فيه خروج النساء إلى المساجد وسبقهن بالانصراف والاختلاط بهن مظنة الفساد) ([64] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn64)).
وقال ابن بطال "المالكي" في شرحه: (وفى حديث أم سلمة من الفقه: أن خروج النساء ينبغى أن يكون قبل خروج الرجال) ([65] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn65)).
وقال ابن حجر العسقلاني "الشافعي" في شرح الحديث: (وَفِي الْحَدِيث مُرَاعَاة الْإِمَام أَحْوَالَ الْمَأْمُومِينَ، وَالِاحْتِيَاط فِي اِجْتِنَاب مَا قَدْ يُفْضِي إِلَى الْمَحْذُور. وَفِيهِ اِجْتِنَاب مَوَاضِع التُّهَم، وَكَرَاهَة مُخَالَطَة الرِّجَال لِلنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَات فَضْلًا عَنْ الْبُيُوت.) ([66] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn66)).
واستدلالاً بهذا الحديث قال البهوتي "الحنبلي" -كما في الإقناع مع شرحه-: ((فَإِنْ كَانَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ) مَأْمُومِينَ بِهِ (اُسْتُحِبَّ لَهُنَّ) أَيْ لِلنِّسَاءِ (أَنْ يَقُمْنَ عَقِبَ سَلَامِهِ) وَيَنْصَرِفْنَ، لِأَنَّهُنَّ عَوْرَةٌ فَلَا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ (وَ) اُسْتُحِبَّ (أَنْ يَثْبُتَ الرِّجَالُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُونَ مَنْ انْصَرَفَ مِنْهُنَّ)) ([67] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn67)).
¥