ويؤيد هذا المعنى قول عَائِشَةَ: كَانَ r، يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَتَنْصَرِفَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، لا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ، أَوْ لا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا ([68] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn68)).
وهذا هو الحديث السادس.
قال ابن بطال في شرحه: (فهذا يدل أنهن لا يُقمِنَ فى المسجد بعد تمام الصلاة، وهذا كله من باب قطع الذرائع، والتحظير على حدود الله، والمباعدة بين الرجال والنساء خوف الفتنة ودخول الحرج، ومواقعة الإثم فى الاختلاط بهن) ([69] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn69)).
بقي أن يعترض معترض باحتمال! إسراع رجلٍ في مشيه فيدرك النساء في الطريق عند رجوعهنَ، فهل من جواب؟
نعم .. في الحديث التالي:
الحديث السابع
عن أبي أسيد الأنصاري t أنه سمع رسول الله r يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله r للنساء «استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق» فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به ([70] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn70)).
وجه الاستدلال: أن النبي r أمرهنّ بالاستئخار عن الرجال، والقاعدة أنّ (الأمر يقتضي الوجوب ويقتضي النهي عن ضدّه) ([71] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn71))، فيكون أمرًا بالابتعاد عن الرجال قدر الإمكان ونهيًا عن الاختلاط بالرجال، والأصل أن (النهي يقتضي التحريم) ([72] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn72)).
وجه آخر: قوله r: « ليس لكن أن تحققن الطريق» نفي لاستحقاقهن لوسط الطريق لأن (اللام –هنا- تفيد الاستحقاق) ([73] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn73))، ونفي الاستحقاق يدل على عدم جواز مشيهن في وسط الطريق، وهذا خاص بما لو كان ذلك مؤديًا إلى اختلاطهنّ بالرجال- لأنّ (العلة تعمم معلولها وتخصصه) ([74] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn74))، ذلك أنقول الصحابي t : ( فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله r للنساء ... ) يدلُّ على أنّ علة هذا الأمر النبوي هو حصول الاختلاط؛ لأن القاعدة في علم أصول الفقه أن: (تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْفَاءِ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ أَوْ فِي لَفْظِ الرَّاوِي يفيد التعليل) ([75] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn75))، فيختص الحكم بصورة الاختلاط، أمّا لو كان الطريق خاليًا من الرجال فلهنّ أن يحققن الطريق لما سبق.
وقوله r: ( عليكنّ بحافة الطريق) يدل على وجوب لزومهنّ لحافة الطريق وبعدهنّ عن مخالطة الرجال، ذلك أنّ (عليك) اسم فعل أمر بمعنى (الزم)؛ فالمعنى: (الزمن حافة الطريق) والقاعدة أنّ (الأمر يفيد وجوب المأمور به والنهي عن ضده) إلا إذا دلّ دليل على خلاف ذلك.
فإن قيل: فلم لم يؤمر الرجل بحافة الطريق دون المرأة؟
فلعل الجواب –والله أعلم-: لأن خروج الرجل أكثر من خروج المرأة، والأصل في المرأة القرار في البيت وقلة الخروج.
وإذا مُنِعَ الاختلاط في الطريق مع كونه عابرًا عارضًا فمنعه في المجالس، وأماكن العمل والتعليم أولى، وهذا (قياسٌ أولويٌ، وهو حجة) ([76] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn76))، قال ابن حجر معلّقًا على حديث أم سلمة في انصراف النساء قبل الرجال: (وَفِيهِ اِجْتِنَاب مَوَاضِع التُّهَم، وَكَرَاهَة مُخَالَطَة الرِّجَال لِلنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَات فَضْلًا عَنْ الْبُيُوت.) ([77] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn77)).
وفي الحديث: تعبير الصحابي بلفظ الاختلاط وهو دليلٌ على أنّه استعمالٌ معروفٌ من زمان الصحابة رضي الله عنهم.
لكنّ قائلا سيقول: إنّ اختلاط النساء بالرجال موجودٌ في الطواف بجوار الكعبة فكيف تمنعونه؟
فالجواب في الحديث التالي:
الحديث الثامن
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ك زَوْجِ النَّبِيِّ r قَالَتْ شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ». فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ r حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ (وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) ([78] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn78))([79] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn79)).
¥