تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قد أكثرتم علينا من التشنيع بنجاسة أصل الآدمي، وأطلتم القول وأعرضتم، وتلك الشناعة مشتركة الإلزام بيننا وبينكم! فإنه كما أن الله يجعل لخواص عباده ظروفا وأوعية للنجاسة: كالبول، والغائط، والدم، والمذي، ولا يكون ذلك عائدا عليهم بالعيب والذم، فكذلك خَلْقُهُ لهم من المني النجس! وما الفرق؟!

قال المطهِّرون:

لقد تعلقتم بما لا متعلَّق لكم به، واستروحتم إلى خيال باطل!

فليسوا ظروفا للنجاسة ألبته، وإنما تصير الفضلة بولاً وغائطاً إذا فارقت محلّها، فحينئذ يُحكم عليها بالنجاسة، وإلا، فما دامت في محلِّها فهي طعام وشراب طيب غير خبيث، وإنما يصير خبيثاً بعد قذفه وإخراجه.

وكذلك الدم إنما هو نجسٌ إذا سُفِحَ وخرج! فأما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه، فليس بنجس، فالمؤمن لا ينجس، ولا يكون ظرفاً للخبائث والنجاسات.

قالوا: والذي يقطع دابر القول بالنجاسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن الأمة شديدة البلوى في أبدانهم وثيابهم وفرشهم ولحفهم، ولم يأمرهم فيه يوما بغسل ما أصابه، لا من بدنٍ ولا من ثوبٍ ألبته.

ويستحيل أن يكون كالبول، ولم يتقدم إليهم بحرفٍ واحد في الأمر بغسله، و "تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ممتنع عليه".

قالوا: ونساء النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بحكم هذه المسالة.

وقد ثبت عن عائشة أنها أنكرت على رجل أعارته ملحفة صفراء، ونام فيها فاحتلم فغسلها، فأنكرت عليه غسلها، وقالت:

"إنما يكفيه أن يفركه بأصبعه، ربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعي".

ذكره ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام، قال: "نزل بعائشة ضيفُ .... (فذكره) ".

وقال أيضاً: حدثنا هُشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت:

"لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحتّه عنه" تعني: المني.

وهذا قول عائشة، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عباس.

قال ابن أبي شيبة: ثنا هُشيم عن حصين عن مصعب بن سعد عن سعد:

"أنه كان يفرك الجنابة من ثوبه".

ثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن مصعب بن سعد عن سعد:

"أن كان يفرك الجنابة من ثوبه".

حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في المني، قال:

"امسحه بإذخرة".

ثنا هشين: أنبأنا حجاج وابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس في الجنابة تصيب الثوب، قال:

"إنما هو كالنخامة أو النخاعة، أمطه عنك بخرقة أو بإذخرة".

قالوا: وقد روى الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده" من حديث عائشة رضي الله عنها- قالت:

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلتُ المني من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه، ويحتُّه من ثوبه يابساً، ثم يصلي فيه".

وهذا صريح في طهارته لا يتحمل تأويلاً ألبته.

قالوا: وقد روى الدارقطني من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق: ثنا شريك عن محمد بن عبدالرحمن عن عطاء عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال:

"سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب؟ فقال: إنما هو بمنزلة البصاق والمخاط، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة".

قالوا: هذا إسناد صحيح! فإن إسحاق الأزرق حديثه مخرَّج في "الصحيحن"، وكذلك شريك، وإن كان قد عُلِّلَ بتفرُّد إسحاق الأزرق به، فإسحاق ثقة يحتجُّ به في "الصحيحين" وعندكم تفرُّد الثقة بالزيادة مقبول.

قال المنجٍّسُ:

صح عن عائشة –رضي الله عنها- أنها: "كانت تغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وثبت عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه أمر بغسله.

قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، قال:

"إذا أجنب الرجل في ثوبه، ورأى فيه أثراً فليغسله، وإن لم ير فيه أثراً فلينضحه".

ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن طلحة بن عبدالله بن عوف عن أبي هريرة –رضي الله عنه-: أنه كان يقول في الجنابة في الثوب:

"إن رأيت أثره فاغسله، وإن علمت أن قد أصابه وخفي عليك فاغسل الثوب، وإن شككت فلم تَدْرِ أصاب الثوب أم لا، فانضحه".

ثنا عبدة بن سليمان عن سعيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، قال:

"إن خفي عليه مكانه، وعلم أنه قد أصابه، غسل الثوب كله".

حدثنا وكيع عن هشام عن أبيه عن (زييد) بن الصلت:

"أن عمر بن الخطاب غسل ما رأى، ونضح ما لم ير، وأعاد بعدما أضحى متمكناً".

ثنا وكيع عن السري بن يحيى عن عبدالكريم بن رشيد عن أنس:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير