لقد صدر عن "المعهد الوطني للدراسات الديموجرافية" ـ في فرنسا الكاثوليكية ـ كتاب [المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي العربي والتركي] ليثبت ـ بالحقائق والأرقام والإحصاءات ـ أن نسبة المسلمين بين رعية الدولة الإسلامية وشعوبها ـ في مصر والمشرق العربي وفارس ـ بعد قرن من الفتوحات الإسلامية وقيام الدولة الإسلامية، لم تتعد 20% من السكان!! .. فأين كان هذا السيف الإسلامي الذي يزعمون أنه كان السبيل لانتشار الإسلام؟ .. والذي يفترونه على رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام؟!. (13)
و للتاريخ شهادة:
و قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، فلما قهر النصارى عرب الأندلس، فضل هؤلاء القتل و الطرد عن آخرهم على ترك الإسلام، و لم ينتشر الإسلام بالسيف إذن بل انتشر بالدعوة وحدها و مثال على ذلك انتشار الإسلام في الهند و الصين مع أن المسلمين لم يكونوا غير عابري سبيل فيها. (14)
قال العقاد: إن البلاد التي قلت فيها حروب الإسلام هي البلاد التي يقيم فيها اليوم أكثر مسلمي العالم و هي: بلاد أندونيسيا و الصين و الهند و سواحل القارة الافريقية، فإن عدد المسلمين فيها قريب من ثلثمائة مليون و لم يقع فيها من الحروب بين المسلمين و أبناء تلك البلاد إلا القليل الذي لا يجدي في تحويل الآلاف عن دينهم بله الملايين. (15)
و لقد قيل إن "جستنيان" – الإمبراطور الروماني – أمر بقتل مائتي ألف من القبط في مدينة الإسكندرية، و إن اضطهادات خلفائه قد حملت كثيرين على الالتجاء إلى الصحراء. و قد جلب الفتح الإسلامي إلى هؤلاء القبط حياة تقوم على الحرية الدينية التي لم ينعموا بها من قبل ذلك بقرن من الزمان، و يظهر أن حالة القبط في الأيام الأولى من حكم المسلمين كانت معتدلة نوعا ما.
و ليس هناك شاهد من الشواهد على أن ارتدادهم عن دينهم القديم و دخولهم في الإسلام على نطاق واسع كان راجعا إلى اضطهاد أو ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين، بل لقد تحول كثير من هؤلاء القبط إلى الإسلام قبل أن يتم الفتح، حين كانت الإسكندرية – حاضرة مصر وقتئذ – لا تزال تقاوم الفاتحين، و سار كثير من القبط على نهج إخوانهم بعد ذلك بسنين قليلة .. (16)
إن الإسلام لم يأت ليكره الناس على اعتناق عقيدته، فالإسلام ليس مجرد عقيدة بل
هو منهج و نظام يحكم الحياة، كما أنه إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد، فهو يهدف ابتداء إلى إزالة الأنظمة و الحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر، ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحرارا في اختيار العقيدة - فلم يخير الإسلام الكفار بين الإسلام و القتل بل خيرهم بين البقاء على كفرهم و دفع الجزية و من ثم الأمان لهم، و بين الحرب -.
و إن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء، فالإسلام ليس نحلة قوم و لا نظام وطن و لكنه منهج الله و نظامه العالمي الذي من حقه التحرك لإبادة النظم و الأوضاع التي تغل من حرية الإنسان في الاختيار ..
إن محاولة إيجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للحرب الدفاعية، وإثبات أن وقائع الجهاد كانت لمجرد صد العدوان، هي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين، كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر و أمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد. (17)
أما عن الدوافع الحقيقية للجهاد عند المسلمين بل من الأسباب التي تدفع المسلم دفعا قويا للعمل المتواصل من أجل رفع راية الإسلام في الأرض بالدعوة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قتال أعداء الله هي: (18)
1 - قوة الإيمان و ذلك باليقين التام الذي لا ينتابه شك و لا ارتياب، قال تعالى
" إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله، أولئك هم الصادقون ".
و الحقيقة التي لا يعلمها المستشرقون أو يعلمونها و لكن يتجاهلونها أن الإيمان القوي يدفع القلة من أهله لتقف أمام الكثرة من أعداء الله مستهينة بكثرتها، و قال تعالى " قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، و الله مع الصابرين ".
¥