تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن فضل العلم والعلماء أمر متفق عليه بين عقلاء البشر،لا ينازع في ذلك إلا من سُلِبَ عقلُه،أو فَقَدَ لبَّه، والأدلة النقلية والعقلية على ذلك أكثر من أن تحصر،وفي محكم التنزيل:"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ "،والجواب مسكوت عنه للعلم به، ولو لم يكن في العلم فضل وفخر إلا أن كلَّ أحد يحب أن ينسب إليه ولو لم يكن من أهله،ولو لم يكن في الجهل شؤمٌ إلا أن أهلَه يتبرءون منه.

عباد الله: وإذا ذكر فضل العلم والعلماء،فإن تاجَهم،وذروةَ سنامهم،وشامَةَ جبينهم،هم علماء الشريعة،العاملون بعلمهم،الناصحون لعباد الله،المتبعون لسنة رسول الله ? قولاً وعملاً وظاهرا وباطناً، الذين يبلغون رسالات الله،ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله،الذين إذا سمع المرءُ بهم أو لقيَهم وجدهم مشفقين وجلين،وعن الدنيا معرضين،وفي حطامها زاهدين ـ وإن كانوا على تحصيلها قادرين ـ تُرى عليهم السكينة والوقار،مكثرون من ذكر العزيز الغفار،أبعدُ الناس عن طلب الشهرة والرياسة،وأقربُ الناس لقبول الحق،وقلوب الخلق.

أيها الأحبة في الله: إن الإشارة إلى صفات هؤلاء العلماء الربانيين،فيها تمييزُ لهم عمن يدعي أو يُدّعى أنه منهم؛فقد كثُرَ في زماننا ابتذالُ هذا اللقب الشريف،ووُصِفَ به غيرُ أهله،حتى أصبح كلُّّ متحدث عن الإسلام عالماً، فإن كان كثيرَ الكلام،كثير الجدل،فهذا عند بعض الناس أعلم من غيره،ولو لم يثنِ ركبته يوماً عند عالم،أو يعرفْ بسعة اطلاعه،أما سمته فلا هو سمت العلماء،ولا وقاره كوقارهم،وأما بضاعته العلمية فمزجاه،وغاية ما يستحقه أن يكون مثقفاً ثقافة إسلامية،وما كثير من شيوخ الفضائيات عن هذا الوصف ببعيد،وما علم أولئك المساكين أن أكابر الصحابة وعلماءهم كأبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود ? كانوا أقلَّ كلاماً ممن جاء بعدهم من علماء التابعين،ومع ذلك لم يكن التابعون ـ رحمهم الله ـ أعلمَ منهم، فليس العلم بكثرة الكلام والجدل الذي فتن به كثير من الناس اليوم،ولكنه نور يقذفه الله في قلب العبد،يفهم به الحق، ويميز به بينه وبين الباطل،ويعبر عن ذلك بكلمات وجيزة محصلة للمقاصد.

إذا علم هذا ـ أيها المسلمون ـ فحري بنا أن نعرف من هم العلماء، وأن نحفظ حقوقهم علينا،وأن نحذر من الوقيعةِ بهم أو تنقصِهم،خصوصاً في هذا الزمن الذي كثر فيه المساسُ بحرمتهم،والتنقصُ منهم ـ والعياذ بالله ـ والذي أخذ مظاهر شتى،يُذكرُ بعضُها لنحذر من الانسياق وراء أولئك المروجين لها إما خبثاً أو جهلاً بخطورة الوقيعة فيهم،الذين لم يعلموا أنهم بفعلهم هذا ينفذون ـ وبدون مقابل ـ مخططاً من مخططات اليهود الذين نصوا في أحد بروتوكولاتهم على ما يلي:"وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين في أعين الناس (ويعنون برجال الدين: العلماء من غير اليهود) وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤوداً في طريقنا،وإن نفوذ رجال الدين على الناس ليتضاءل يوماً فيوماً "، وللأسف الشديد أقول: لقد حققوا كثيراً من مقصدهم هذا،فصرتَ لا تستغرب أن ترى العالم َ في بعض وسائل الإعلام العالمية بصورة الرجل الساذج المغفل،إما بملابسه،أو كلامه،أو تصويره بما يسمى بالكاريكاتير بصورة تدعو للسخرية، وفي مقابل ذلك:فإن للعالمِ وأوامرِه عند بعض اليهود قدسيةً تصل إلى حد أوامر الرب،حيث يقول بعضهم:"إن كلّ قرار سيتخذه أمرنا العالي،سيقابل بالإجلال والطاعة،دون قيد أو شرط ".

إذا تقرر هذا،فإن من مظاهر تنقص العلماء:

1 - رميهم بالجهل وعدم علمهم بالواقع وفقههم به: والعجيب أن هذه الفرية أصولها عن أهل البدع القدماء،فهذا أحد رؤوس البدعة في زمانه ـ وهو عمرو بن عبيد ـ يقول عن الحسن البصري وابن سيرين،وهما من أئمة التابعين: ألا تسمعون؟ ‍ ما كلامُ الحسن وابن سيرين عندما تسمعون إلا خرقة حيض ملقاة، وهاهم اليوم، أذناب هؤلاء يقولون: علماؤنا علماء حيض ونفاس،وبئس القدوة هم،وما الغرض من ذلك ـ والله ـ إلا إسقاط قيمتهم عند الأمة حتى لا تنتفع بعلمهم وتوجيههم،هذا فضلاً عن الواقع يكذب ما يقولون،ففي الأمة من يعلم من أمور الواقع وفقهها أكثر من بعض أولئك الذين أفنوا أعمارهم في دراستها تخصصاً في إحدى الجامعات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير