تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما ولما يهدأ السجال بعد حول مؤتمر ماردين فلا بد من أداء الشهادة بالحق لمن علم (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون). وكنت ممن شهد هذا المؤتمر منذ تكونت فكرته الأولى وإلى أن صدر بيانه الختامي.

فقد قام مركز التجديد والترشيد بالتعاون مع جامعة ماردين بعقد مؤتمر حول فتوى ماردين، ورأس هذا المؤتمر بتألق علمي باهر سماحة شيخنا العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه متع الله بعلمه وعافيته، وكان هذا المؤتمر أحد مبادرته العلمية الجليلة والكثيرة، وكان مما هدف إليه الانطلاق بفتوى ماردين من المكان إلى كل مكان ومن زمان شيخ الإسلام إلى كل زمان.

وكان لهذا المؤتمر معالم مهمة أحببت إيضاحها:

أولاً: تصور فتوى ماردين:

اشتهرت فتوى ماردين عن شيخ الإسلام ابن تيمية فإن ماردين وهي المنطقة التي ولد فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وتقع فيها بلده حران قد استولى عليها التتار في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية وخرج منها هو وأهله وهو في السابعة من عمره.

وكان أهل ماردين مسلمون واستولى عليهم التتار والذين كانوا يجمعون بين الكفر ـ في نظر شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الذي عاصرهم وعرفهم ـ وبين البغي والعدوان حيث استولوا على ديار المسلمين وبغوا فيها بأعظم أنواع البغي والفجور، فهي بلد أهله مسلمون والمتغلب عليه غير مسلمين.

وجاء السؤال لابن تيمية لمعرفة حال أهل هذا البلد هل يصح وصفهم بالنفاق؟ وهل تجب عليهم الهجرة؟ وهل تعتبر دارهم دار إسلام؟

فأجاب بجواب تضمن معالم واضحة أهمها:

1 - حرمة دماء أهل ماردين وأموالهم، وأن بقاءهم في بلادهم تحت سلطة الكفار المتغلبين عليهم لا يهدر شيئاً من حقوقهم، ولا يحل سبهم ولا رميهم بالنفاق.

2 - عدم وجوب الهجرة عليهم إذا تمكنوا من إقامة دينهم.

3 - حرمة مساعدتهم لعدو المسلمين، ولو اضطروا للمصانعة أو التعريض أو التغيب.

4 - أن دارهم ليست دار إسلام محض لأن المتغلب عليها غير مسلمين وليست دار كفر لأن أهلها مسلمون، ولكنها دار مركبة فيها المعنيان، يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه.

وكان هذا التوصيف إحدى سطوعات عبقرية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ثانياً: تصحيح نص الفتوى.

نص الفتوى هو كالتالي:

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن بلد " ماردين " هل هي بلد حرب أم بلد سلم؟ وهل يجب على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر، وساعد أعداء المسلمين بنفسه أو ماله، هل يأثم في ذلك؟ وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟

فأجاب:

"الحمد لله. دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في [ماردين] أو غيرها. وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة، سواء كانوا أهل [ماردين]، أو غيرهم. والمقيم بها إن كان عاجزًا عن إقامة دينه، وجبت الهجرة عليه. وإلا استحبت ولم تجب، ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك، بأي طريق أمكنهم، من تغيب، أو تعريض، أو مصانعة. فإذا لم يمكن إلا بالهجرة، تعينت، ولا يحل سبهم عمومًا ورميهم بالنفاق، بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض أهل [ماردين] وغيرهم، وأما كونها دار حرب أو سلم، فهي مركبة: فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين. ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه ". انتهى.

وقد وقع الاختلاف في كلمة في السطر الأخير منها (يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه).

فقد تصحفت في بعض المطبوعات إلى: (ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه).

وقد جاءت الفتوى على الصواب:

1 - في النسخة المخطوطة الوحيدة الموجودة في المكتبة الظاهرية وهي برقم (2757) في مكتبة الأسد بدمشق.

2 - فيما نقله ابن مفلح في الآداب الشرعية وهو تلميذ ابن تيمية وقريب العهد منه فقد نقلها على الصواب (ويعامل) في الآداب الشرعية (1/ 212).

3 - نقلت الفتوى في الدرر السنية (12/ 248) على الصواب.

4 - نقلها الشيخ رشيد رضا في مجلة المنار على الصواب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير