قال ابن حجر: باب ترك مُلامسة المرأة الأجنبية .. ثم أورد تحته أحاديث في ترك مبايعته صلى الله عليه وسلم للنساء مُصافحة. اهـ.
وقال المناوي: وإذا كان هذا في مُجَرَّد المس الصادق بما إذا كان بغير شهوة، فما بَالك بما فَوقه مِن القُبْلة؟. اهـ.
وقد وَرَد في السنة النبوية أحاديث فيها ذِكر اللمس ويُقصد بها المصافحة، فكان الْحَمل عليها أولى من تكلّف التأويل!
ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ولا مَسَسْت خَزَّة ولا حريرة ألْين مِن كَفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية لمسلم: ولا مَسَست شيئا قط ديباجا ولا حريرا ألْين مَسًّا مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي صحيح ابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها: ما مَسَّت كَفّه كَفّ امرأة قط.
وقالتْ رضي الله عنها: عائشة قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، وأني لَمُعْتَرِضَة بين يَديه اعْتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يُوتر مَسَّنِي بِرِجْله. رواه الإمام أحمد والنسائي، وأصله في الصحيحين.
فهذه الأحاديث وغيرها جاء فيها ذِكْر (الْمَسّ) والمراد به مُجرّد اللمس، كما هو ظاهر غاية الظهور في هذه النصوص.
وقد يكون المسّ باليد وقد يكون بالرِّجْل، كما في الأحاديث السابقة.
بل جاء النهي عن الملامسة في البيع، ويُراد به اللمس دون غيره من المعاني.
الوجه الثالث:
يلزم مِن قوله أن يُجيز كل ما هو دون المسيس الذي فَسَّر به الحديث، فإذا كان السلف فَسَّروا المسيس الوارد في القرآن بالجماع، فيلزم مِن قوله جواز كل ما دون ذلك مِن قُبْلَة وضمّ ومسّ لِجميع الجسد!
لأنه يقول: (وعلى ذلك فالراجح الصحيح الموافق للقرآن وصحيح السنة هو تفسيرها بالجماع)
فيلزمه القول بِجواز كل ما دون الجماع!
وهذا لا يقول به عاقل فضلا عن مسلم، فضلا عن طالب علم!
مع أنه ناقض نفسه بعد ذلك بِقوله: (أما المصافحة بشهوة فهي حرام بالاتفاق)!
فكيف يقول بِحرمتها، مع أنه رجّح أن المراد بالمس في الحديث هو الْجِماع؟!
وإذا فَرَّق بين المسّ بشهوة وبِغير شهوة فعليه الدليل على هذا التفريق.
والصحيح أنه لا فَرْق بين أن يكون مس المرأة الأجنبية بِهوة أو بِغير شهوة.
الوجه الرابع:
أن أهل الاختصاص صَحّحوا حديث " واليد زناها اللمس"، فقد صححه غير واحد من أهل العلم.
قال ابن كثير في تفسيره: وفي الحديث الصحيح: واليد زناها اللمس.
وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
وصححه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريج أحاديث مسند الإمام أحمد.
وإذا صحّ الحديث فهو مذهبي، كما قال الأئمة.
الوجه الخامس:
أن امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن مُصافحة النساء، دليل على التحريم، وليس مُجرّد ترك، كما قال.
لأن مصافحته عليه الصلاة والسلام شَرف وفَخْر.
ألا ترى افتخار الصحابة رضي الله عنهم بِمصافحة النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال عبد الله بن بُسْر: تَرون يَدي هذه؟ صَافَحْتُ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بايعته.
ثم ألا تَرى حرص التابعين على مُصافحة الأيدي التي صافَحْت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال أبو هرمز: قلنا لأنس: صَافِحْنا بِالكَفّ التي صَافَحْتَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَصَافَحَنا.
فإذا كان ذلك كذلك فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَحرِم نساء ذلك الجيل ذلك الشرف، لِمجرّد التَّرْك؟
مع أنه عليه الصلاة والسلام ما خُيِّر بين أمْرين إلاَّ اختار أيسرهما، ما لم يَكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه. كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
ثم إنه عليه الصلاة والسلام كان يَكْره أن يُواجِه الناس بِأمْر فيه سَعَة.
فلم يكن رسول الله لِيَرُدّ أيدي نساء الأمة ويَكفّ يده عن مصافحتهن لِمُجرّد ترك الفعل! مع ما في ذلك مِن كسر لنفوسهن، فلو كان في المصافحة سَعة لَما كَفّ يَده عليه الصلاة والسلام عن مصافحة النساء.
مع أن بيعته صلى الله عليه وسلم للرِّجال لم تكن تثبت إلاَّ بالمصافحة، فلو كانت مُصافحة النساء جائزة لصافحهنّ لتثبيت المبايعة.
¥