تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن عبد البر: وأما مَدّ اليد والمصافحة في البيعة، فذلك مِن السنة المسنونة، فَعَلَها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون بعده، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُصَافِح النساء. اهـ.

وقال: قوله في هذا الباب: " هَلُم نبايعك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء " دليل على أن مِن شَرط البيعة للرجال المصافحة، وقد تقدم هذا في بيعة أبي بكر وعمر وسائر الخلفاء. اهـ.

فعُلِم أن تركه عليه الصلاة والسلام مصافحة النساء لم يَكن لِمجرّد الترك، بل لأنه كان إثما.

ومن ادَّعى الخصوصية في ذلك فعليه الدليل؛ ذلك أن الخصوصية لا تثبت بِمُجرّد الدعوى. كما قال أهل العِلم.

بل إنه عليه الصلاة والسلام معصوم من الزلل، ولذلك يجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قيل بالعكس لكان أولى.

قال المناوي عن ما رُوي من مُصافحته للنساء مِن وَرَاء ثوب: قيل: هذا مخصوص به لِعِصْمَته، فغيره لا يجوز له مصافحة الأجنبية لِعَدم أمْن الفتنة. اهـ.

وبناء على هذا القول يُحمَل ما كان منه عليه الصلاة والسلام مَن مَقِيله عند أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بِمَنْزِلة الأب لعموم الأمة.

وقد قال ابن عبد البر رحمه الله: قال ابن وهب: أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة؛ فلذلك كان يَقِيل عِندها، ويَنام في حِجرها، وتَفْلِي رأسه.

ثم قال: لولا أنها كانت منه ذات محرم ما زارها ولا قام عندها. والله أعلم. اهـ.

الوجه السادس:

الاستدلال بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الأمَة مِن إماء أهل المدينة لتأخذ بِيدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.

لا يَصِحّ الاستدلال به على جواز المصافحة لِعِدّة اعتبارات:

الاعتبار الأول: أن الأخذ باليد لا يَلزم منه المصافحة.

ورواية الإمام أحمد التي أشار إليها قال عنها الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسنادها ضعيف. اهـ.

ومدارها على عليّ بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.

ولو صحّت لكانت حُجة عليه وليستْ له!

وذلك لأن في رواية الإمام أحمد: إن كانت الوليدة مِن وَلائد أهل المدينة ...

فتُحْمَل الوَليدة على الصغيرة وعلى الكبيرة، ويُستدلّ عليه بِمَا قرره هو من وُرُود الاحتمال وسُقوط الاستدلال!

قال القاضي عياض: " لا تقتلوا وليدا " يعني في الغزو، والجمع ولدان، والأنثى وليدة، والجمع الولائد، وقد تطلق الوليدة على الجارية والأمَة وإن كانت كبيرة. اهـ.

فإذا كان لفظ " الوليدة " يُطلَق على الصغيرة والكبيرة فليس فيه دليل له، إلاَّ أن يُثبت أنها كانت كبيرة. ولو كانت كبيرة فهي أمَة، وليست حُرَّة.

هذا لو صَحَّتْ رواية الإمام أحمد، وإلاَّ فهي ضعيفة.

الاعتبار الثاني: أن اليد تُطلق على ما هو أعمّ مِن الكفّ، ألا ترى قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)؟

وأن اليد تشمل ما بين مَفْصل الكفّ إلى أطراف الأصابع.

الاعتبار الثالث: أن ألأخذ يكون معنويا ويكون حِسِّيًّا.

فالمعنوي يُراد به الرفق والإعانة والتسديد. ومنه قول الداعي: اللهم خُذ بيدي. والأخذ على يَدِ الظالم والسَّفِيه، ونحو ذلك.

وهذا المعنى أقرب إلى الحديث، وإليه ذهب الشُّرَّاح.

قال العيني في شرح الحديث: والمراد مِن الأخذ بِيده لازِمه، وهو الرفق والانقياد، يعني:

كان خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه المرتبة هو أنه لو كان لأمَة حاجة إلى بعض مواضع المدينة، وتلتمس منه مساعدتها في تلك الحاجة، واحتاجت بأن يمشي معها لقضائها لَمَا تَخَلَّف عن ذلك حتى يَقْضي حاجتها. اهـ.

ويُؤيِّد هذا ما جاء في رواية أحمد: فتنطلق به في حاجتها.

وإذا كان الأخذ حِسّيا فلا يلزم منه المسّ؛ لأن الآخِذ بِطرف الكمّ يَكون آخِذا باليد، ولا يلزم منه مصافحة.

الاعتبار الرابع: أن الأمَة ليست مثل الْحُرَّة، فلا يَحرم النظر إليها إلا أن تُخشى الفتنة، ولذلك لم يُؤمَرن بالحجاب كما تُؤمر الحرائر.

الاعتبار الخامس: ما تقدّم أنه صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلة الأب والْمَحْرَم لِعموم الأمة، ويُستدلّ على ذلك بأمْرَين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير