تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النوع الثامن من أنواع السحر ـ السعي بالنميمة والتضريب من وجوه لطيفة خفية وذلك شائع في الناس ا هـ. والتضريب بين القوم: إغراء بعضهم على بعض. وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن نقل هذا النوع الأخير عن الرازي قلت: النميمة على قسمين: تارة تكون على وجه التحريش بين الناس، وتفريق قلوب المؤمنين. فهذا حرام متفق عليه. فأما إن كانت على وجه الإصلاح بين الناس، وائتلاف كلمة المسلمين كما جاء في الحديث «ليس الكذاب من ينم خيراً» أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة، فهذا أمر مطلوب كما جاء في الحديث «الحرب خدعة»، وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة، جاء إلى هؤلاء ونمى إليهم عن هؤلاء، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئاً آخر، ثم لأم بين ذلك فتناكرت النفوس وافترقت. وإنما يحذو على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة. والله المستعان.

ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه.

قلت: وإنما أدخل كثيراً من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها. لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه، ولهذا جاء في الحديث «إن من البيان لسحراً» وسمي السحور سحوراً لكونه يقع خفياً آخر الليل. والسحر: الرئة وهي محل الغذاء، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه، كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحره، أي انتفخت رئته من الخوف.

وقالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري. وقال تعالى: {سَحَرُو?اْ أَعْيُنَ ?لنَّاسِ} أي أخفوا عنهم عملهم ـ انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.

هذا هو حاصل الأقسام الثمانية التي ذكر الفخر الرازي في تفسيره في سورة «البقرة» انقسام السحر إليها. ولأهل العلم فيه تقسيمات متعددة يرجع غالبها إلى هذه الأقسام المذكورة وقد قسمه الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي صاحب التآليف العديدة المفيدة في نظمه المسمى (رشد الغافل) وشرحه له، الذي بين فيه أنواع علوم الشر لتتقي وتجتنب إلى أقسام متعددة:

(منها) قسم يسمى (بالهيماء) بسكر الهاء بعدها مثناة تحتية فميم فياء بعدها ألف التأنيث الممدودة، على وزن كبرياء. قال: وهو ما تركب من خواص سماوية تضاف لأحوال الأفلاك، يحصل لمن عمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة، وقد يبقى له إدراك، وقد يسلبه بالكلية فتصير أحواله كحالات النائم من غير فرق، حتى يتخيل مرور السنين الكثيرة في الزمن اليسير. وحدوث الأولاد وانقضاء الأعمار وغير ذلك في ساعة ونحوها من الزمن اليسير. ومن لم يعمل له ذلك لا تجد شيئاً مما ذكر. وهذا تخييل لا حقيقة له اهـ.

(ومنها) نوع يسمى (بالسيمياء) بكسر السين المهملة وبقية حروفه كحروف ما قبله. قال: وهو عبارة عما تركب من خواص أرضية كدهن خاص، أو مائعات خاصة يبقى معها إدراك، وقد يسلب بالكلية إلى آخر ما تقدم في الهيمياء.

(ومنها) نوع هو رقى ضارة. قال: كرقى الجاهلية وأهل الهند، وربما كانت كفراً. قال: ولهذا نهى مالك رحمه الله عن الرقى بالعجمية. وقال ابن زكري في شرح (النصيحة): ولا يقال لما يحدث ضرراً رقى، بل ذلك يقال له سحر.

(ومنها) قسم يسمى خصائص بعض الحقائق التي لها تسلط على النفوس. كالمشط والمشاقة وجف طلع الذكر من النخل، وقصة جعل اليهودي الذي سحر النَّبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر في سحره مشهورة. وسيأتي إيضاح ذلك إن شاء الله تعالى.

ومن أمثله هذا النوع عند أهله: أن بعض أنواع الكلاب من شأنه إذا رمي بحجر أن يعضه، فإذا رمي بسبع حجارة وعض كل واحدة منها وطرحت تلك الحجارة في ماء فمن شرب منه فإن السحرة يزعمون أن تظهر فيه آثار مخصوصة معروفة عندهم. قبحهم الله تعالى.

(ومنها) نوع يسمى (بالطلاسم) وهو عبارة عن نقش أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهلها في جسم من المعادن أو غيرها، تحدث بها خاصية ربطت في مجاري العادات، ولا بد مع ذلك من نفس صالحة لهذه الأعمال. فإن بعض النفوس لا تجري الخاصة المذكورة على يده.

(ومنها) نوع يسمى (بالعزائم) وهم يزعمون أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمروا بتعظيمها، ومتى أقسم عليهم بها أطاعوا وأجابوا وفعلوا ما طلب منهم ا هـ ـ ولا يخفى ما في هذا الزعم من الفساد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير