ومع ذلك فقد أخذت بهذا التكييف مشيخة الأزهر في السابق، واختاره الشيخ أحمد الحسيني في كتابه " بهجة المشتاق "، كما في الورق النقدي للشيخ ابن منيع (ص 46).
ولا يلزم من هذا القول طرد منع المبايعة الناجزة بذهب أو فضة، فقد يخرج القائلون به من هذا الإلزام بمخرج الضرورة أو غيرها.
ولكن الشيخ محمد الشنقيطي صرح بذلك في تفسيره (1/ 257) فقال الذي يظهر لي – والله تعالى أعلم – أنها – يعني الورق النقدي – ليست كعروض التجارة، وأنها سندٌ بفضته، وأن المبيع الفضة التي هي سند بها، ومن قرأ المكتوب عليها فهم صحة ذلك، وعليه فلا يجوز بيعها بذهب ولا فضة، ولو يداً بيد؛ لعدم المناجزة، بسبب غيبة الفضة المدفوع سندها ... الخ "
وهذا قول غريب، ولا سند له من الواقع، ويترتب على القول به حرج عظيم على الأمة، والله أعلم.
القول الثاني:
القول بتحريم بيع الحلي من الذهب أو الفضة بالورق النقدي نسيئة.
ويعتمد هذا القول على تعليل الربا في الذهب والفضة بالثمنية، أي: أنها أثمان وقيم للأشياء، وهذا القول أعني التعليل بالثمنية إحدى الروايات عن الإمام مالك، وأبي حنيفة، وأحمد واختاره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما (انظر الفتاوى 29/ 470 - 474).
كما أن تحريم بيع الحلي بالورق النقدي نسيئة هو طرد رأي القائلين بأن الورق النقدي نقد مستقل قائم بنفسه مثله في ذلك مثل الدراهم والدنانير وغيرها من العُمَل الذهبية أو الفضية، وهذا اختيار الشيخ محمد رشيد رضا (الفتاوى 2/ 528).
وعليه جرت الفتوى من هيئة كبار العلماء بالسعودية كما في مجلة البحوث (1/ 212 - 222) ومنهم الشيخ عبدالله بن منيع، كما في كتابه (الورق النقدي)، وبحثه متطابق مع بحث الهيئة، وانظر خصوصاً (ص 125 - 127) أما الأدلة فقد سبقت الإشارة إلى شيء منها في صدر هذا البحث.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يلزم من القول بأن العلة هي الثمنية المطلقة، تحريم بيع الحلي بالورق النقدي نسيئة، باعتبار أن هناك من يرى أن الحلي لا يدخل في العلة، بل هو قد صار بالصنعة سلعة من السلع، من جنس الثياب والأثاث وغيرها، فلا يدخله الربا.
ولذلك كان اختيار الشيخين (ابن تيمية، وابن القيم) ومن وافقهم جواز بيع الحلي بالذهب نسيئة، مع أن مذهبهم أن العلة في النقدين هي الثمنية.
القول الثالث:
أنه يجوز بيع الحلي من الذهب والفضة بالورق النقدي نسيئة.
وهذا القول هو فحوى اختيار جماعة من العلماء متفرقين في تعليلهم.
فهو مؤدى قول من يقول بأن الورق النقدي عروض تجارة، وليس ذهباً ولا فضة، ولا جنساً ربوياً، كما ذهب إليه الشيخ عبدالرحمن بن سعدي (الفتاوى 213 - 229) والشيخ يحيى أمان، والشيخ سليمان بن حمدان، والشيخ علي الهندي – رحمهم الله – كما في جريدة حراء عدد 238و239 والقول بالجواز هو رأي بعض القائلين بإلحاق العملة النقدية بالفلوس، وطردهم هذا بأنه لا يجري فيها الربا بنوعيه (انظر: مجلة البحوث 1/ 209)
وهو أخيراً رأي القائلين بقصر الربا على الأصناف الستة المذكورة في الحديث، وعدم تعديته إلى ما يماثلها في العلة.
وهذا مذهب أهل الظاهر وابن عقيل من الحنابلة، والصنعاني كما في رسالة له مستقلة مطبوعة، وجماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين، والله أعلم.
ويلحظ في هذا القول أنه يقول به طوائف من أهل العلم، لكن كل طائفة تقول به مراعية لاعتبار غير ما تراعيه الطائفة الأخرى.
ومما يستأنس به لهذا القول، أن الأمر لا يخلو من أحد احتمالين:
(1) إما أن تكون علة الذهب والفضة هي الثمنية، فيخرج الحلي، لأنه ليس ثمناً، وإنما سلعة كغيره من السلع.
(2) وإما أن تكون العلة كونه ذهباً أو فضة – وهي علة قاصرة ضعيفة – وعلى ذلك فإن الورق النقدي ليس ذهباً ولا فضة قطعاً.
فإما ألا تحقق العلة في الحلي، لأنه خرج عن الثمنية.
وإما ألا تتحقق في الورق النقدي؛ لأنه ليس ذهباً ولا فضة وكلٌ يخطئ ويصيب، ولكل مجتهد نصيب، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخوكم
سلمان بن فهد العودة
ـ[رضا أحمد صمدي]ــــــــ[22 - 07 - 03, 08:22 م]ـ
مقتضى هذا القول الأخير الذي يبدو أن الشيخ سلمان يميل إليه أن
كل الفتاوى المتعلقة بالبنوك الربوية مرجوحة عنده، وأن كل ما يقال
عن ربوية المعاملات البنكية مرجوح عنده، وأن البنوك التي يقال
¥