تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وزنها , لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، وتحريم التفاضل إنما كان سدا للذريعة , فهذا محض القياس ومقتضى أصول الشرع، ولا تتم مصلحة الناس إلا به أو بالحيل، والحيل باطلة في الشرع " [إعلام الموقعين 2/ 161]

وهذا هو القول الراجح، قال في الإنصاف:" وعليه عمل الناس " [5/ 14]، لكن قيده شيخ الإسلام بقيد وهو ألا يكون شراء الحلي بقصد ثمنيتها، وهذا القيد ظاهر، ويدل عليه ما سبق في الجواب عن حديث فضالة بن عبيد، فإن اشترى رجل من آخر حليا من ذهب إلى سنة بألف درهم، وهو لا يريد الحلي للبس بل يريده للبيع فإن هذا لا يجوز، حتى على القول بجواز التورق، لأنه لما أراد بيعه كانت الثمنية مراعاة فيه، فحرم فيه الربا بنوعيه.

فإن قيل: إذا قلتم إن الحلي قد خرجت عن الثمنية وأصبحت مثل الملابس وغيرها، فهل تقولون حينئذ إنه لا زكاة فيها؟

فالجواب: لا، نقول إن في الحلي الزكاة على الراجح، والفرق أن وجوب على جريان الربا في الذهب والفضة هي الثمنية، بينما علة وجوب الزكاة في الذهب والفضة كونهما ذهبا وفضة، فظهر الفرق بين القسمين.

==================

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلام له مفيد:" وأما المصوغ من الدراهم والدنانير، فإذا كانت الصياغة محرمة كالآنية، فهذه تحرم بيع المصاغة لجنسها وغير جنسها، وبيع هذه هو الذي أنكره عبادة على معاوية، وأما إن كانت الصياغة مباحة كخواتيم الفضة وكحلية النساء وما أبيح من حلية السلاح وغيرها من الفضة، وما أبيح من الذهب عند من يرى ذلك فهذه لا يبيعها عاقل بوزنها، فإن هذا سفه وتضييع للصنعة، والشراع أجل من أن يأمر بذلك، ولا يفعل ذلك أحد البتة، إلا إذا كان متبرعا بدون القمية.

وحاجة الناس ماسة إلى بيعها وشرائها، فإن لم يجوز بيعها بالدارهم والدنانير فسدت مصلحة الناس، والنصوص والواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيها ما هو صريح في هذا، فإن أكثرها إنما فيه الدراهم والدنانير، وفي بعضها لفظ الذهب والفضة، فهو بمنزل نصوص الزكاة، ففيها لفظ الورق وهو الدراهم، وفي بعضها الذهب والفضة، وجمهور العلماء يقولون: لم يدخل في ذلك - أي في نصوص الزكاة - الحلية المباحة بل لا زكاة فيها، فكذلك الحلية المباحة لم تدخل في نصوص الربا، فإنها بالصيغة المباحة صارت من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، فلهذا لم يجب فيها زكاة الدنانير والدراهم، ولا يحرم بيعها بالدنانير والدراهم.

ومما يبين ذلك أن الناس كانوا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخذون الحلية، وكن النساء يلبس الحلية، وقد أمرهن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد أن يتصدقن، وقال: (إنكن أكثر أهل النار)، فجعلت المرأة تلقي حليها، وذلك مثل الخواتيم والقلائد.

ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطي ذلك الفقراء والمساكين، وكانوا يبيعون، ومعلوم بالضرورة أن مثل هذا لا بد أن يباع ويشترى، ومعلوم بالضرورة أن أحدا لا يبيع هذا بوزنه، ومن فعل هذا فهو سفيه يستحق أن يحجر عليه.

كيف وقد كان بالمدينة صواغون، والصائغ قد أخذ أجرته، فكيف يبيعه صاحبه ويخسر أجرة الصائغ؟ هذا لا يفعله أحد، ولا يأمر به صاحب شرع، بل هو منزه عن مثل هذا، ولا يعرف عن الصحابة أنهم أمروا في مثل هذا أن يباع بوزنه، وإنما النزاع في الصرف، والدرهم بالدرهمين، فكان ابن عباس يبيح ذلك، وأنكره عليه أبو سعيد وغيره، والمنقول عن عمر إنما هو في الصرف.

وأيضا فتحريم ربا الفضل إنما كان لسد الذريعة، وما حرم لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كالصلاة بعد الفجر والعصر، ولما نهي عنها لئلا يتشبه بالكفار الذي يعبدون الشمس ويسجدون للشيطان، أبيح للمصلحة الراجحة، فأبيح صلاة الجنازة، والإعادة مع الإمام ... وكذلك ركعتا الطواف وكذلك على الصحيح ذوات الأسباب مثل تحية المسجد، وصلاة الكسوف وغير ذلك، وكذلك النظر إلى الأجنبية لما حرم سدا للذريعة، أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيح للخطاب وغيره، وكذلك بيع الربوي بجنسه، لما أمر في بالكيل والوزن لسد الذريعة، أبيح بالخرص عند الحاجة، وغير ذلك كثير في الشريعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير