(قال الشافعي) رحمه الله: ولو أن رجلا سلخ شيئا من جلد بدن رجل فلم يبلغ أن يكون جائفة وعاد الجلد فالتأم أو سقط الجلد فنبت جلد غيره فعليه حكومة فإن كان عمدا فاستطيع الاقتصاص منه اقتص منه وإلا فديته في ماله وإذا برأ الجلد معيبا زيد في الحكومة بقدر عيب الجلد مع ما ناله من الألم ولو كان هذا في رأسه أو الجسد أو فيهما معا أو في بعضهما فنبت الشعر كانت فيه حكومة إن كان خطأ لا يبلغ بها دية وإن لم ينبت الشعر غير أنه إذا لم ينبت الشعر زيد في الحكومة بقدر الشين مع الألم ولو أفرغ رجل على رأس رجل أو لحيته حميما أو نتفهما ولم تنبتا كانت عليه حكومة يزاد فيها بقدر الشين ولو نبتا أرق مما كانا أو أقل أو نبتا وافرين كانت عليه حكومة ينقص منها إذا كانت أقل شيئا ويزاد فيها إذا كانت أكثر شيئا ولو حلقه حلاق فنبت شعره كما كان أو أجود لم يكن عليه شيء والحلاق ليس بجناية ; لأن فيه نسكا في الرأس وليس فيه كثير ألم وهو وإن كان في اللحية لا يجوز فليس فيه كثير ألم ولا ذهاب شعر ; لأنه يستخلف ولو استخلف الشعر ناقصا أو لم يستخلف كانت فيه حكومة ولو أن رجلا حلق غير شعر الوجه والرأس فلم ينبت أي موضع كان الشعر أو من امرأة كانت فيه حكومة بقدر قلة شينه وسواء ما ظهر من النبات من شعر الجسد أو بطن إلا أنه آثم إن كان أفضى إلى أن ترى عورته , وكذلك هو من امرأة إلا أنه لا يحل للرجل أن يمس ذلك من امرأة ولا يراه إلا أن تكون زوجته. وكذلك ما حلق من رقابهما من دون منابت شعر الرأس وشعر اللحية من الرجل وإن كانت لحية رجل منتشرة في حلقه فحلقها رجل فلم تنبت كانت عليه فيها حكومة وما قلت من هذا فيه حكومة فليست فيه حكومة أكثر من الحكومة في خلافه وإنما قلت إن في شعر البدن إذا لم ينبت حكومة دون الحكومات في الرأس واللحية إذا ذهب الشعر ; لأن أثر شينه على الرجل دون شين شعر الرأس واللحية وجعلت في ذهابه بلا أثر في البدن ; لأن نبات الشعر أصح وأتم له وإذا ضرب رجل رجلا ضربا لم يذهب له شعرا أو لم يغير له بشرا غير أنه آلمه فلا حكومة عليه فيه ويعزر الضارب (قال الشافعي) وإن غير جلده أو أثر به فعليه حكومة ; لأن الجناية قائمة. ولو خلقت لامرأة لحية وشاربان أو أحدهما دون الآخر فحلقهما رجل أدب وكانت عليه حكومة أقل منها في لحية الرجل ; لأن اللحية من تمام خلقة الرجل وهي في المرأة عيب إلا أني جعلت فيها حكومة للتعدي والألم (قال أبو يعقوب) هذا إذا لم ينبت أو نبت ناقصا فأما إذا نبت ولم يكن قطع من جلودهما شيء فليس عليه إلا التعزير (قال الربيع) وأنا أقول به. .
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج قال مالك: ليس يضيق أن يأخذ الرجل من رأسه قبل أن يحج
(قال الشافعي): وأخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه قلت: فإنا نقول ليس على أحد الأخذ من لحيته وشاربه إنما النسك في الرأس
(قال الشافعي): وهذا مما تركتم عليه بغير رواية عن غيره عندكم علمتها
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـ[مهداوي]ــــــــ[13 - 08 - 03, 10:45 م]ـ
الأخ السفاريني .. أعتذر عن التأخير في الرد عليك للانشغال
أولا ليس هناك ما يمنع اقتران الواجب بالمستحب وغيره في سياق واحد، وهذا ما صرح به الإمام النووي في شرح صحيح مسلم واستشهد يقول الله عز وجل (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) والإيتاء واجب , والأكل ليس بواجب. (انظر شرح مسلم الحديث 378)
لكن الأصل في الأمر كما تقول القاعدة هو الوجوب، وينبغي أن ننظر في مجموع الأدلة لمعرفة تفصيل المسائل.
عندما أوردت الحديث الشريف (من السنة قص الشوارب .. ) لم أعن أبدا أن لفظ السنة هنا هو معناها الاصطلاحي، فنحن نعرف أن هذه الاصطلاحات متأخرة عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عندما يستعملها فإنه يستعلمها بمعناها اللغوي، كقوله من الواجب كذا، فهو صلى الله عليه وسلم يقصد الواجب اللغوي وما قال عنه من الواجب قد يكون مستحبا لا أكثر حسب الشواهد والأدلة واعتبار القواعد الأصولية.
إنما ما أردته من هذا الشاهد هو أن في هذا الحديث قرينة تصرف حكم الوجوب عن قص الشارب، حيث نفهم من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا نحن المسلمين أتباع سنن الهدى والحق المقتدين بسنة النبي وسنة الأنبياء من قبله يعلمنا بعضا مما ينبغي علينا فعله، بصيغة توحي بالاستحسان ولا توحي بوجوب الفعل.
الأخوة الأفاضل حفظهم الله
هناك حلقة مفقودة في كل هذا الكلام، عسى أن نصل إليها من خلال هذا المجهود الجماعي المبارك إن شاء الله ...
1. في الحديث المذكور آخرا (مِنْ السُّنَّةِ قَصُّ الشَّوَارِبِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ)، إذا أخذنا بدلالة الاقتران - على ضعفها - لتأكيد سنية قص الشارب فإن هناك اقترانا أقوى في حديث (خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأعفوا اللحي)، لذلك أرى أنه لا يمكن الحكم على سنية الإحفاء من خلال هذا الحديث وحده، وعلى هذا فالقرينة الصارفة لحكم الوجوب قد ضعفت إن لم تزل أصلا من هذا الشاهد.
2. الاحتجاج بأحاديث خصال الفطرة والسنة على سنية إحفاء الشوارب لا يفيدنا في إثبات القرينة الصارفة لحكم الوجوب عنه. وذلك لأن بعض هذه الأحاديث ذكر إعفاء اللحية أيضا، وذكر الاختتان الذي أوجبه الجمهور.
3. الأحاديث النبوية الشريفة عندما ذكرت إعفاء اللحية، جاءت في الغالب على صيغة الأمر، والباقي ذكرت الإعفاء كخصلة من خصال الفطرة. في المقابل، قص الشارب أو إحفاؤه جاء في الغالب في أحاديث خصال الفطرة، وأقلها على صيغة الأمر.
هل هذا يكفي للاستدلال على وجوب إعفاء اللحية واستحباب إحفاء الشارب؟؟؟ وهل هذا مما يجد عذرا لمن أفتى بعدم حرمة حلق اللحية؟
أرجو منكم حفظكم الله التواصل ومتابعة البحث في هذه المسألة.
بارك الله فيكم ونفعنا بعلمكم
أخوكم
مهداوي
¥