قال الحافظ في الفتح (11/ 408 - 409): "ووقع في رواية سعيد بن منصور عند مسلم (ولا يرقون) بدل (ولا يكتوون)، وقد أنكر الشيخ تقي الدين بن تيمية هذه الرواية، وزعم أنها غلط من راويها، واعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه، فكيف يكون ذلك مطلوب الترك؟، وأيضا فقد رقى جبريل النبي –صلى الله عليه وسلم-، ورقى النبي أصحابه وأذن لهم في الرقى وقال: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل. والنفع مطلوب، قال: وأما المسترقي فإنه يسأل غيره ويرجو نفعه، وتمام التوكل ينافي ذلك. قال: وإنما المراد وصف السبعين بتمام التوكل فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يكويهم ولا يتطيرون من شيء. وأجاب غيره بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وسعيد بن منصور حافظ وقد اعتمده البخاري ومسلم، واعتمد مسلم على روايته هذه، وبأن تغليط الراوي مع إمكان تصحيح الزيادة لا يصار إليه والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي لأنه اعتل بأن الذي لا يطلب من غيره أن يرقيه تام التوكل، فكذا يقال له والذي يفعل غيره به ذلك ينبغي أن لا يمكنه منه لأجل تمام التوكل، وليس في وقوع ذلك من جبريل دلالة على المدعى، ولا في فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- له أيضا دلالة لأنه في مقام التشريع وتبيين الأحكام، ويمكن أن يقال إنما ترك المذكورون الرقى والاسترقاء حسما للمادة لأن فاعل ذلك لا يأمن أن يكل نفسه إليه، وإلا فالرقية في ذاتها ليست ممنوعة، وإنما منع منها ما كان شركا أو احتمله، ومن ثم قال -صلى الله عليه وسلم: "اعرضوا علي رقاكم ولا بأس بالرقى ما لم يكن شركا"، ففيه إشارة إلى علة النهي كما تقدم تقرير ذلك واضحا في كتاب الطب"اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على البكري (1/ 383): "وقد روي في بعض ألفاظه (لا يرقون)، ولم يذكره البخاري فإنه لا يثبت و إن رواه مسلم…".
وقال أيضا في اقتضاء الصراط المستقيم (ص448): "…كما ثبت في الصحيح في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، فجعل من صفاتهم أنهم لا يسترقون أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، ولم يقل: لا يرقون، وإن كان ذلك قد روي في بعض طرق مسلم، فهو غلط فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- رقى نفسه وغيره لكنه لم يسترق، فالمسترقي طالب الدعاء من غيره بخلاف الراقي لغيره فإنه داع له…".
وقال أيضا في مجموع الفتاوى (1/ 182): "وقد روى فيه: ولايرقون، وهو غلظ فإن رقياهم لغيرهم ولأنفسهم حسنة .. ".
وقال أيضا في مجموع الفتاوى (1/ 328): "ورواية من روى في هذا (لا يرقون) ضعيفة غلط".
وقال ابن القيم في حادي الأرواح (ص89 - دار الكتب): " .. وليس عند البخاري: (لا يرقون)، قال شيخنا -أي ابن تيمية-: وهو الصواب وهذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث، وهي غلط من بعض الرواة، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- جعل الوصف الذي يستحق به هؤلاء دخول الجنة بغير حساب هو تحقيق التوحيد وتجريده، فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون".
قلت: والذي يظهر أن كلام شيخ الإسلام أرجح، وأن اللفظة شذ بها سعيد بن منصور، وخالف فيها تلاميذ هشيم، وخالف أصحاب حصين أيضا، والله أعلم.
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[05 - 07 - 02, 11:47 م]ـ
شكر الله لك أخي أخي [التطواني] فقد أزحت عني هذا الحمل، فإني لدي الكثير من الزيادات أشتغل في تخريجها والكلام عليها، ولهذا أتأخر ــ أحيانا ــ في الإجابة.
ـ[أبو إسحاق التطواني]ــــــــ[06 - 07 - 02, 01:09 ص]ـ
العفو أخي الفاضل راية التوحيد
وإن شاء الله سأنشر غدا موضوعا عن شذوذ لفظة في حديث عند مسلم في صحيحه، ونسألكم الدعاء ...
ـ[أبو نايف]ــــــــ[06 - 07 - 02, 04:23 ص]ـ
ما يراه الأخوة الكرام في الزيادة الذي زادها خالد بن الحارث عند النسائي
وعبد السلام بن حرب عند البيهقي في السنن الكبري
وهي: (ولا تمتشط) فيما تجتنبه الحادة.
وجزاكم الله خيراً
ـ[أبو إسحاق التطواني]ــــــــ[06 - 07 - 02, 09:11 م]ـ
إلى الأخ الفاضل أبو نايف:
سيأتيك الرد قريبا إن شاء الله ...
ـ[أبو إسحاق التطواني]ــــــــ[08 - 07 - 02, 12:51 ص]ـ
عذرا لأخ أبي نايف ...
لقد كتبت الرد على سؤالك في الديسك وحصل عطل فيه، سأوفيك غدا إن شاء الله بالجواب ...
ـ[أبو إسحاق التطواني]ــــــــ[08 - 07 - 02, 10:15 م]ـ
قال النسائي في المجتبى (3534): أخبرنا حسين بن محمد، قال: حدثنا خالد -أي بن الحارث-، قال: حدثنا هشام عن حفصة عن أم عطية قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمتشط، ولا تمس طيبا إلا عند طهرها حين تطهر نبذا من قسط وأظفار".
وقال البيهقي في السنن الكبرى (7/ 439): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، نا أبو العباس محمد ابن يعقوب، نا العباس بن محمد الدوري نا الفضل بن دكين نا عبد السلام بن حرب الملائي عن هشام عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوجها فإنها لا تكتحل ولا تمتشط، ولا تتطيب إلا عند أدنى طهرتها، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب".
رواه البخاري في صحيحه (5028) عن أبي نعيم الفضل بن دكين بسنده سواء، ولفظه: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها لا تكتحل، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب).
ورواه جمع عن هشام بن حسان، فلم يذكروا لفظة (تمتشط) في متن الحديث، وهم:
1 - محمد بن عبد الله الأنصاري.
2 - عبد الله بن إدريس الأودي.
3 - عبد الله بن نمير.
4 - يزيد بن هارون.
5 - زائدة بن قدامة.
6 - إبراهيم بن طهمان.
7 - عبد الله بن بكر السهمي.
8 - محمد بن عبد الرحمن الطفاوي.
9 - عيسى بن يونس.
10 - وهب بن جرير بن حازم.
11 - أبو أسامة حماد بن أسامة.
12 - عبد القاهر بن شعيب بن الحبحاب.
13 - يزيد بن زريع.
14 - النضر بن شميل.
فالذي يظهر أن لفظة: (تمتشط) غير محفوظة، والله أعلم.
¥