تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعبارة أبي حاتم يريد بها – و الله أعلم – أن هؤلاء الأئمة بعد استقرار الرواية في المصنفات ليس لواحد منهم أن يتفرد بالحديث دون أهل طبقته؛ إذ الإغراب بالحديث منعدم أو يكاد، و قد جالس أبو حاتم جماعة من أهل الحديث، و طلب منهم الإغراب عليه بالحديث مقابل درهم فلم يقدر على ذلك أحد، قال ابنه الإمام عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: «قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب علي حديثا غريبا مسندا صحيحا لم أسمع به فله علي درهم يتصدق به وقد حضر على باب أبي الوليد خلق من الحلق؛ أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقي علي ما لم أسمع به ليقولوا هو عند فلان فأذهب فأسمع وكان مرادي أن أستخرج منهم ما ليس عندي فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب علي حديثا».

فالأحاديث قد شاعت، و الأئمة المكثرون من الرواية صار لهم من التلاميذ ما لا يكاد يحصره أحد، ويندر أن يوجد عند إمام حديث أصلٌ في بابه لا يوجد عند غيره.

علما أن ابن سلام هذا – وهو أخو محمد بن سلام صاحب طبقات الشعراء – من شيوخ الرازيين، و قد علم أن أبا زرعة لا يروي إلا عن ثقة عنده.

فضلا عن كونه من شيوخ مسلم.

وقد كان يحيى بن معين يختلف إليه، وأكرم به من اختلاف و زيارة، أن يكون المختلفُ إليك إمامَ الجرح والتعديل يحيى بن معين،أبا زكريا رحمه الله.

مع وجوب العلم بأن كلمة «صدوق» التي يطلقها ابن حجر = ليست هي بالمعنى التي يطلقه فيه أبو حاتم و غيره؛ فلابن حجر فيها اصطلاح خاص ذكره في مقدمة «التقريب».

ثانيا: الطريقة التي سلكتها في الترجيح بين رواة تأخرت طبقاتهم = ليست موفقة، فلو كانت العبارتان صادرتين من نفس الإمام الناقد أو كان الحكم كذلك في نفس الأمر = لأمكن الترجيح عند خلو الحديث من القرائن المرجحة؛ فكيف ولم يصدر في مرحوم عبارة من أبي حاتم للموازنة بينهما.

ولا يشفع لك كونك قارنت بين حكم ابن حجر عن الراويين؛ لأن عمل ابن حجر في التقريب هو الحكم على الراوي بناء على ما قيل فيه، بعبارة مختصرة، بخلاف النقاد فأحكامهم بناء على النظر في مروياته أو بناء على المعرفة والنقل إذا كان الأمر متعلقا بعدالته.

مع أني بينت درجة عبارته فيمن تأخرت طبقته، ومراده في هذا.

ثم الأصل في الأحكام الصادرة عن الأئمة أنها حكم كلي عام، والواقع المبحوث هو حديثٌ معيّن، اختلف فيه راويان، فلا ينبغي اللُّجوء إلى الأحكام العامة المجملة و بين أيدينا حديثٌ معيَّن له قرائنه المحتفة به و ملابساته الخاصة، لا سيما فيمن تقارب رتبة: ثقةً أو ضعفًا، اللهم إلا أن يكون الاختلاف بين راويين متباعدي الرتبة والمنزلة، كأن يكون أحدهما متروكا أو كذابا و الآخر ثقة حجة أو إماما من أئمة الحديث.

مع أنَّ الدارقطني رجح في موضع من علله رواية متروك على رواية ثقة لاستقامتها، فافهم هذا فإنه مهم جارٍ على منهج الأئمة الفحول.

فكم من راو ثقة حدث بما هو وهم، وكم من راو ضعيف حفظ ما رواه و حدث بما وافق الثقات.

وقد رجح أبو حاتم روايات أشبه بأحاديث الثقات، مع أن المخالف لرواتها أوثق،

الأمر الثاني: إن رواية مرحوم باللفظ المذكور مرجوحة شاذة، فقد خالف فيها ثلاث طبقات من الرواة:

الأولى: مخالفته للإمام الثقة عبد الرحمن بن سلام الجمحي – كما سبق بيانه -.

الثانية: مخالفته لرواية الحمادين عن علي بن زيد عن الحسن عن عثمان و لفظه فيه: «إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة فيقول: هل من داع فاستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له» و ليس فيه اللفظ المذكور.

وهذا السند أحسن من سابقه، فرواية حماد بن سلمة عن علي بن زيد فيها بعض القوة، و قد كان حماد بن سلمة أثبت الناس في علي بن زيد، و له عناية بحديثه، ولولا أن حديث علي بن زيد على درجات لما قال الإمام أحمد و غيره في حماد بن سلمة إنه أثبت الناس و أعرفهم بحديث ابن جدعان.

و قد تتبعت روايته عن ابن جدعان فوجدتها مستقيمة في الغالب، وقد يحصل الوهم من علي كما يحصل من غيره لكنه قليل جدا جدا.

وهذه الرواية دالة على حفظه لها فلفظها مستقيم.

وهذه الرواية تعضد من لفظ ابن سلام، وأن تقييد النزول بكونه ليلةَ النصف من شعبان =منكرٌ، لا يصح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير