تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالثة: مخالفتها لأحاديث الصحابة المتضافرة الثابتة في الصحاح و المسانيد وغيرها = أن الله ينزل كل ليلة فيعم بالمغفرة جميع من يستغفره.

قال ابن كثير: «وثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له الحديث وقد أفرد الحافظ أبو الحسن الدارقطني في ذلك جزءا على حدة فرواه من طرق متعددة

» تفسيره 1/ 354.

وهذه الرواية تقول: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فإذا مناد هل من مستغفر فاغفر له هل من سائل فأعطيه فلا يسأل أحد إلا أعطي إلا زانية بفرجهاأو مشرك»

و هذا الاستثناء مخالف لتلك العمومات، و وجه ذلك أن يقال:

أَرأَيت ليلةَ النصف من شعبان، أهي داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: «ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا» أَأرادها رسول الله بهذا العموم أم لا؟

لا شك بأن الجواب هو: نعم هي داخلة في هذا العموم، لا نعلم في هذا خلافا بين أهل السنة، فيقال: فإن هذه الرواية تخالف مقول الرب في تلك الليلة، فإن في الصحاح قوله: هل من سائل فأعطيه، هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، و في هذه الرواية الغريبة قوله: فإذا مناد هل من مستغفر فاغفر له هل من سائل فأعطيه فلا يسأل أحد إلا أعطي إلا زانية بفرجهاأو مشرك.

فإذا علمت هذا تبين لك نكارة هذه الجملة و بطلانها، فهي تخالف رواية جميع الطبقات، بدءا من طبقة الصحابة.

الأمر الثالث: لو أردنا أن ندقق النظر في مكمن الخطأ فيها، لرأينا أن الرواية بهذا الإسناد غير مستقيمة، وهذا بيان ذلك:

هذا الإسناد المزعوم: مرحوم بن عبد العزيز عن داود بن عبد الرحمن عن هشام بن حسان عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص فيه:

أولا: رواية داود بن عبد الرحمن عن هشام بن حسان لم يذكرها – حسب اطلاعي وبحثي الشديد- أحد من أئمة السنة؛ بل لعلها لم تقع إلا في هذه الرواية، وما أظنها وقعت في غيرها، ومن كان لديه غيرها فليتحفنا بها.

والمذكور رواية داود العطار عن هشام بن عروة، و هي المعروفة في دواوين السنة.

ثم رواية داود المكي عن هشام البصري محل نظر، وعامة شيوخ داود مكيون أو ممن نزلها وكان مستوطنا قريبا منها؛ كمن سكن المدينة أو استقر باليمن كمعمر بن راشد.

وهذه قرينة استعملها أهل الحديث في الترجيح والإعلال؛ فمجيء المكي عن البصري في إسناد غريب لا نظير له، ولا يعرفه فيذكره من صنف في الرجال من أئمة الحديث المتقدمين منهم والمتأخرين = دال على أن فيه شيئا.

و الذي يطمئن إليه الناظر المتفحص أن في الإسناد إرسالا، فداود لم يسمعه من هشام، وما ذكرته من القرينة دال عليه!

وروايته عن هشام بالعنعنة يشهد لهذا.

ثم قولك عن داود العطار: (ثقة من رجال الجماعة).

فيه متابعة الحافظ ابن حجر في تقريبه – وهو مسبوق بحكمه فيه -، و قد فاته كما فات غيره = قول البخاري فيه: «صدوقٌ إلا أنه ربما يهم في الشيء» (سنن البيهقي 5/ 12)، و لعله نقله عن كتاب «القراءة خلف الإمام» للبخاري و لم أجده في المطبوع؛ فإن لداود العطار حديثا وهم فيه بالوصل، والصواب كونه مرسلا.

أو لعله نقله عن علل الترمذي الكبير،وليس في المطبوعة وانظر العلل رقم 319 ففيه وهم لداود بيَّنه البخاري.

وهذا النص عُضَّ عليه بالنواجد فقد خلت منه عامة كتب التراجم، ولم أقف على من نبه عليه مع أهميته البالغة، وقد وقفت على صدق قول البخاري –وهو الإمام الجبل الصدوق – في أحاديث أخطأ فيها داود العطار على عمرو بن دينار وابن جريج وهشام بن عروة ومعمر.

ولاجل هذا كانت عبارة أبي حاتم دقيقة: لا بأس به صالح.

ملخص حال هذا الإسناد الغريب!! فهذا الإسناد المروي به هذا الحديث قد جمعَ من الأدلة والقرائن: المتنية و الإسنادية الدالة على نكارته ما يقل وجوده في حديث غيره، ففيه:

1 - المخالفة التامة لجميع من روى الحديث في لفظه بزيادة باطلة في موضعين منه، خالف به من رواه من رواية داود العطار نفسه – وهو ابن سلام الجمحي الثقة -، ومن رواية من رواه متابعا لشيخه فيه –على القول بأنه سمعه منه – وهو علي بن زيد برواية الحمادين عنه وغيرهما – و خالف الجمع الغفير ممن رواه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وببعض هذا يعل الحديث، فكيف باجتماع كل هذا؟!

2 - الاختلاف على روايه داود في شيخ هشام، وهو دال على عدم الضبط في الجملة

3 - عدم استقامة إسناده و غرابته، ففيه ما يدعو للحيرة:

أ - انتقاله من حديث مكي إلى بصري

ب - بعض سنده لا يجيء في دواوين السنة، فداود عن هشام بن حسان لا وجود له في روايات الأئمة.

ت - كون سنده معنعنا في طبقات عرف فيها الإرسال والتدليس

و الذي أراه فيه – والعلم عند الله – أن هذا الإسناد لا يخرج عن حالين:

أحدهما: إرسال داود الحديث عن هشام، والعلة من الساقط من سنده

و الثاني: انتقال بصر الراوي لإسناد حديث آخر، فلعل أصله كان هكذا: داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة أو هشام غير منسوب بمتن حديث آخر، فانتقل بصر الراوي لإسناد آخر فيه هشام عن الحسن عن عثمان بمتن الحديث المذكور، فساق ذاك السند لهذا المتن، وهذا يقع كثيرا، وهذا الظن عندي قوي، والله الموفق

و على كل، فلا شك عندي في كون الحديث باطلا باللفظ المذكور، وفيما ذكرته كفاية و الله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير