تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذلك الوجه ــ وإن لم يكن أول ما يتبادر إلى ذهن الناظر في الخبر ــ يناسب فيما أرى ما جاء في روايات الزيادة من بيان الفرقة الناجية بأنها السواد الأعظم، والجماعة، والجماعات.

وثانيها: أن الحكم على تلك الفرق بالهلاك والكون في النار حكم عليها باعتبار ظاهر أعمالها وتفريطها، كأنه قيل: كلها هالكة باعتبار ظاهر أعمالها محكوم عليها بالهلاك وكونها في النار، ولا ينافي ذلك كونها مرحومة باعتبار آخر من رحمة الله لها وشفاعة نبيها وشفاعة صالحيها لطالحيها. والفرقة الناجية وإن كانت مفتقرة إلى رحمة الله لكنها باعتبار ظاهر أعمالها يحكم لها بالنجاة لإتيانها بما أمرت به وانتهائها عما نهيت عنه.

وثالثها: أن ذلك الحكم مشروط بعدم عقابها في الدنيا، وقد دل على عقابها في الدنيا حديث «أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة إنما عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل والبلايا» .. قال: أخرجه الطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي موسى؛ فيكون حديث الافتراق مقيدا بهذا الحديث في قوله: «كلها هالكة» ما لم تعاقب في الدنيا، لكنها تعاقب في الدنيا فليست بهالكة.

أقول: وحديث أبي موسى الأشعري ــ رضي الله عنه ــ الذي ذكره ابن الأمير صحيح .. أخرجه الإمام أحمد في مسنده ــ 4/ 410 بلفظ «إنما عذابها في الدنيا القتل والبلابل والزلازل». وقال: قال أبو النضر: «بالزلازل والقتل والفتن». وكرره ص 418. وأخرجه أبو داود في سننه ــ 4/ 105 بلفظ مقارب ليس فيه ذكر البلايا في آخره. وقال الألباني: صحيح. وأخرجه الحاكم في المستدرك ــ 4/ 283، 491 فذكر عذابها في الدنيا بالقتل والزلازل والفتن. وقال في الموضعين: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الحافظ الذهبي في الموضعين وقال في التلخيص: صحيح.

ورابعها: أن الإشكال في حديث الافتراق إنما نشأ من جعل القضية الحاكمة به وبالهلاك دائمة، بمعنى أن الافتراق في هذه الأمة وهلاك من يهلك منها، دائم مستمر من زمن تكلمه ــ صلى الله عليه وسلم ــ بهذه الجملة إلى قيام الساعة، وبذلك تتحقق أكثرية الهالكين وأقلية الناجين؛ فيتم الإشكال. والحق أن القضية حينية، بمعنى أن ثبوت الافتراق للأمة والهلاك لمن يهلك ثبت في حين من الأحيان، وزمن من الأزمان فحسب. والدليل على ذلك من وجوه منها: قوله: «ستفترق» الدال على الاستقبال لتحلية المضارع بالسين. ومنها: قوله: «ما أنا عليه وأصحابي». فإن أصحابه من مسمى أمته بلا خلاف، وقد حكم عليهم بأنهم أمة واحدة، وأنهم الناجون، وأن من كان على ما هم عليه هم الناجون، فلو جعلنا القضية دائمة من حين التكلم بها؛ للزم أن تكون تلك الفرق كائنة في أصحابه ــ صلى الله عليه وسلم ــ وهلم جرا، وقد صرح الحديث نفسه بخلاف ذلك. فإذا ظهر لك أن الحكم بالافتراق والهلاك إنما هو في حين من الأحيان وزمن من الأزمان؛ لم يلزم أكثرية الهلاك وأقلية الناجين.

وابن الأمير الصنعاني يرى أن ذلك الحين والزمان هو آخر الدهر الذي وردت الأحاديث بفساده وفشو الباطل فيه وخفاء الحق، وأن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر؛ فهو الزمان الذي يصبح فيه الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، وهو زمان غربة الدين، وفي الأحاديث الواردة بهذا المعنى في كتب السنة قرائن دالة على أنه زمان كثرة الهالكين وزمان التفرق والتدابر .. راجع ابن الأمير: افتراق الأمة ــ ص 66: 76.

وإنني لأحسب أن ما تقدم كاف في إبطال كلام ابن الوزير على زيادة «كلها في النار إلا واحدة» من جهتي الرواية والدراية .. والله أعلى وأعلم.

والوجه الثاني لرواية حديث افتراق الأمة: «ستفترق أمتي على كذا وسبعين ملة كلها في الجنة إلا ملة واحدة». قيل: أي ملة؟ قال: «الزنادقة».

وهذا الحديث أخرجه القزويني عبد الكريم بن محمد الرافعي من طريق ياسين الزيات، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك مرفوعا .. انظر كتابه: التدوين في أخبار قزوين 2/ 79. وذكره أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي (ت509هـ): الفردوس بمأثور الخطاب ــ 2/ 63. وإسناده كما نقله الشيخ الكوثري ــ في تقديمه لكتاب التبصير في الدين للإسفراييني ــ من مسند الفردوس، من طريق ياسين الزيات، عن سعد بن سعيد أخي يحيى، عن أنس بن مالك. انظر مقدمات الكوثري ــ ص 114.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير