فالأول هو عمل المتأخرين، والثاني هو عمل المحدثين النقاد (المتقدمين).
وإليك أقوال بعض العلماء في ذكر أسماء المتقدمين:
1 - قال الحافظ العلائي (كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبدالرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم ... )
2 - وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كعبدالرحمن بن مهدي ويحيى القطان وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم ... )
3 - وقال السخاوي رحمه الله (لذا كان الحكم من المتأخرين عسراً جداً، وللنظر فيه مجال، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه كشعبة والقطان وابن مهدي ونحوهم، وأصحابهم مثل أحمد وابن معين وابن راهوية وطائفة، ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي، وهكذا إلى زمن الدارقطني والبيهقي ولم يجئ بعدهم مساو لهم ولا مقارب .. )
وبهذا فيحمل كلام الأخ (محمد الأمين) بقوله (واستدراكك عليه بابن حبان والحاكم لا قيمة له لأن هؤلاء من المتأخرين فلا عبرة بهم)
أي أنهم (متأخرين) بسبب منهجهم في التصحيح والتضعيف باعتمادهم على ظاهر السند، أما من ناحية الزمن فهم متقدمون.
وإن إطلاق لفظ (المتقدمين) على النقاد، والفصل بينهم وبين المتأخرين في منهج التصحيح والتضعيف، بل بين كل من خالف النقاد في المنهج، حتى وإن كان من المتقدمين تاريخا، كل ذلك جاء في نصوص المتأخرين أنفسهم، وليس مما أحدثه اليوم شيوخنا – جزاهم الله خيرا -.
قال الإمام الذهبي رحمه الله (فإن أولئك الأئمة، كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود عاينوا الأصول وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت الأسانيد وفقدت العبارات المتيقنة، وبمثل هذا ونحوه دخل الدَّخَل على الحاكم في تصرفه في المستدرك)
وأما عن ابن حبان فقد قال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله (وهو معروف بالتساهل في باب النقد)
ويدخل معهم أيضاً ابن خزيمة، قال الحافظ ابن حجر (فكم في كتاب ابن خزيمة من حديث محكوم منه بصحته، وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن)
ويقول ابن الصلاح فيما يتصل بالحاكم ومستدركه (وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن نتوسط في أمره، فنقول: ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به، إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه)
وحتى هذا التوسط من ابن الصلاح لم يكن مقبولا عند الحافظ ابن حجر وغيره من المتأخرين، إذن فما بالك إذا كان الحديث قد أعله النقاد وصححه الحاكم وغيره من المتساهلين.
اقرأ أخي كلام المتأخرين بتمعن تراهم يرشدوننا إلى إحترام أهل كل علم.
وقولك يا أخ (مبارك) (القول بأن ابن حبان متأخر قول عجيب)
فأتمنى أن يكون العجب قد زال عنك بعد أن علمت ما تقدم، لأنه كما قيل (إذا عرف السبب بطل العجب)
وأتمنى أيضاً أن نكون قد وفقنا في الجواب على استفسارك يا أخي (أبو عمر العتيبي)
********************
وأما قولك يا أخي (أبو إسحاق التطواني)
** (إذا تعارضت أقوال المحدثين في حديث ما، هل ينظر في دليل كل منهما، ثم يرجح أو يحكم لأحدهم دون الأخر من غير ترجيح، فهذا الحديث جوده جمع من المتقدمين)
فإن أقوال المحدثين النقاد (أبو حاتم والإمام أحمد) لم تتعارض في هذا الحديث فقد إتفقوا على إنكاره، قال أبوحاتم ((ولا يصح هذا الحديث ولا يثبت إسناده)) وأما الإمام أحمد ((فأنكره جدا وقال: ليس يروى فيه إلا عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم))
وأما إن كنت تقصد بقولك (تعارضت أقوال المحدثين) ابن حبان والحاكم من جهة وأبو حاتم وأحمد من جهة أخرى.
فالترجيح طبعاً يكون للنقاد، فتصحيح ابن حبان والحاكم لا يلتفت إليه مع وجود حكم على الحديث من الأئمة النقاد (أبوحاتم والإمام أحمد).
فكما نقلت سابقاً، قال السخاوي رحمه الله (لذا كان الحكم من المتأخرين عسراً جدا وللنظر في مجال) فانظر يا أخي فهناك مجال للنظر في حكمهم.
أما عن حكم المتقدمين فليس هناك مجال، قال رحمه الله (بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث .... فمتى وجدنا في كلام أحد المتقدمين الحكم به كان معتمداً)
¥