تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و علي العموم نحن متفقون جميعا علي أن (قال) يحتمل علي الأقل أن تكون فيما ليس علي شرطه و يظل ذلك الإحتمال الأقرب و الأظهر كما قال الشيخ عبد العزيز الطريفي و في حالتنا يظل هو الأقرب لأنه لم يثبت لدينا إحتمال آخر. أما نقلك الذي تفضلت بنقله عن البخاري (وكل رجل لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه لا أروي عنه ولا أكتب حديثه) فلقد قلت معقبا (أما ما نبه على عدم صحته فالخطب فيه سهل وذلك بأن يحمل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته، ويبقى النظر فيما عدا ذلك) فإذا كان البخاري رحمه الله يورد ما هو غير صحيح منبها علي ذلك فهل يمكن أن نقيس ذلك علي مسألتنا و يكون البخاري أورد تلك الرواية علي غير شرطه لقصورأو ضعف في أحد رواتها معتمدا علي أنه نبه علي ذلك باستعماله لفظ (قال) بدلا من حدثنا.

و قد قال ابن حجر في الفتح ما يفيد إمكانية ذلك عند البخاري أن يورد مما هو ليس علي شرطه بسبب قصور في أحد الرواة حيث قال (10/ 53):

(قلت الذي يورده البخاري من ذلك على أنحاء منها ما يصرح فيه بالسماع عن ذلك الشيخ بعينه إما في نفس الصحيح وإما خارجة والسبب في الأول إما أن يكون أعاده في عدة أبواب وضاق عليه مخرجه فتصرف فيه حتى لا يعيده على صورة واحدة في مكانين وفي الثاني أن لا يكون على شرطه إما لقصور في بعض رواته وإما لكونه موقوفا ومنها ما يورده بواسطة عن ذلك الشيخ والسبب فيه كالأول لكنه في غالب هذا لا يكون مكثرا عن ذلك الشيخ ومنها ما لا يورده في مكان آخر من الصحيح مثل حديث الباب فهذا مما كان أشكل أمره علي) و كذلك جاء في النقل الذي تفضلت بنقله من كتاب (التدليس وأحكامه، وآثاره النقدية) لصالح بن سعيد عومار الجزائري ص 239 - 253): (ويعلق بعض الأحاديث بسبب قصور في أسانيدها حيث لم تبلغ شرطه في الأصول، فيأتي بهذا الحديث ومتنه لفائدة يحتاجها لكنه يعلقه لهذا القصور (.

و هناك احتمالا آخرفلهذا الحديث رواية آخري جاء بها البخاري في كتابه التاريخ موصولة بلفظ (حدثنا) حيث قال: (حدثنا عبد لله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) و قد يكون البخاري قد رأي أن كل رواية بمفردها لا ترقي إلا مرتبة الصحيح الذي يرويه في كتابه بلفظ (حدثنا) و لكن مجموع طرق الروايات يصل بهم إلي درجة الحسن أو الصحة فمالك بن أبي مريم متابع لعطية بن قيس و قد تابعهما إبراهيم بن سعد كما أورد البخاري أيضا في كتابه التاريخ حيث قال (إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية عمن أخبره عن أبي مالك الأشعري أو أبي عامر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر والمعازف قاله لي سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا الجراح بن مليح الحمصي قال ثنا إبراهيم قال أبو عبد الله وإنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري حديثه في الشاميين)

و هناك اختلاف واضح بين روايتي مالك بن أبي مريم في (التاريخ) و عطية بن قيس في (الصحيح) و هما من نفس الطبقة فرواية مالك بن أبي مريم لا تتضمن لفظ (يستحلون) الذي يفيد تحريم المعازف لذا وجب الترجيح بين الروايتين فرجح البخاري رواية مالك لضعف أو قصور في عطية بن قيس و كذلك قصور في سياق روايته حيث تردد في اسم الصحابي و هذا يدل علي سوء حفظه للحديث و يدل علي ذلك الترجيح روايته لرواية عطية معلقة بلفظ (قال) و كذلك ترجيحه لاسم الصحابي أنه (أبو مالك الأشعري) و هوما جاء في رواية (مالك بن أبي مريم) فدل ذلك علي قبوله و ترجيحه لرواية مالك التي أرودها بصيغة (حدثنا) فيكون الخلاصة من كل ذلك أن البخاري أورد رواية عطية بن قيس معلقة في الصحيح بلفظ (قال) لمتابعة رواية مالك بن أبي مريم في (التاريخ) مع بيان إعلال رواية عطية و نزولها عن شرطه و أنها مرجوحة و ذلك باستعماله لفظ (قال) و ترجيح رواية مالك بن أبي مريم التي جاءت بلفظ (حدثنا) مع عدم ارتقاء كل منهما علي حدة إلي مرتبة الصحة التامة و لكن مجموع الروايتين يرقي إلي درجة الحسن أو الصحة مع تقديم رواية مالك و لربما يقوي ذلك الإحتمال الذي ذكرته ما تفضلت بنقله من كتاب (التدليس وأحكامه، وآثاره النقدية) لصالح بن سعيد عومار الجزائري ص 239 - 253: (يعلق الاسناد عند وقوع الخلاف بين الرواة، إشارة منه إلى صحة الطريقين أو تعليل المعلقة منها، أو تنبيها على وجود الخلاف دون ترجيح أو حكم على الطريق المعلق، وله أمثلة كثيرة في صحيحه.)

و كذلك يتوافق ما قلته مع ذكر الشيخ الألباني لذلك الترجيح الذي ذكرته في كتابه (تحريم آلات الطرب) حيث قال:

(قلت: ففيه إشعار لطيف بأن (مالك بن أبي مريم) معروف عنده؛ لأنه قدم روايته التي فيها الجزم بأن الصحابي هو (أبي مالك الأشعري) على رواية شيخه هشام بن عمار التي أخرجها في " صحيحه " كما تقدم، وراية إبراهيم المذكورة آنفا، وفي كلٍّ منهما الشك في اسم الصحابي، فلولا أن البخاري يرى أن مالك بن أبي مريم ثقة عنده لما قدم روايته على روايتي هشام وإبراهيم، فلعل هذا هو الذي لاحظه ابن القيم رحمه الله؛ حين قال في حديث مالك هذا: " إسناده صحيح "، والله أعلم.)

و قال الألباني أيضا في موضع آخر:

(فحديث المعازف هذا صالح لو لا جهالة مالك بن أبي مريم، لكنه في المتابعة مقبول، لا سيما وقد رجح البخاري روايته على رواية هشام بن عمار كما تقدم (ص 51))

هذا و الله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير